أهمية الرحلة في الدعوة إلى الله تعالى

الارتحال للدعوة إلى الله تعالى وبذل الجهد واستفراغ الوسع همٌ يجب على الدعاة أن يحملوه ويعملوا له إذ إن الأرض تعج بالشرك والكفر والمخالفات لابد من استشعار الداعين لمعية الله وأنهم بعوثه إلى خلقه لهداية الناس وإرشادهم وإنارة بصائرهم. فعن سليمان بن حبيب المحاربي ــــ رحمه الله ــــ قال: “خرجت غازيا، فلما مررت بحمص خرجت إلى السوق لأشتري ما لا غنى للمسافر عنه، فلما نظرت إلى باب المسجد قلت: لو أني دخلت فركعت ركعتين، فلما دخلت نظرت إلى ثابت بن معبد، ومكحول في نفر فقالوا: إنا نريد أبا أمامة الباهلي. فقاموا وقمت معهم، فدخلنا عليه فإذا شيخ قد رق وكبر، وإذا عقله ومنطقه أفضل مما نرى من منظره، فكان أول ما حدثنا أن قال: إن مجلسكم هذا من بلاغ الله إياكم، وحجته عليكم، إن رسول الله ﷺ قد بلغ ما أرسل به، وإن أصحابه قد بلغوا ما سمعوا، فبلغوا ما تسمعون” (1)

لقد استشعر (رضي الله عنه) عظم المسؤولية وأن الدعوة أمانة ملقاة على عواتقهم دون غيرهم وهذه الغيرة إن لم يستشعرها الدعاة ويحملوها فستكون الدعة والركود والعزلة .

“فعلى العالم من عبودية نشر السنة والعلم الذي بعث الله به رسوله ما ليس على الجاهل، وعليه من عبودية الصبر على ذلك ما ليس على غيره… وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما… وقد غرّ إبليسُ أكثر الخلق بأن حسّن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطلوا هذه العبوديات، فلم يحدِّثوا قلوبهم بالقيام بها، وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينا، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به … وهؤلاء  ـــــ مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم ـــــ قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب” (2).

“ولا ينبغي للداعية أن يبتئس إن لم يجد فضل وقت لقيام الليل يومياً، والإكثار من ختمات القرآن، فإن ما هو فيه من الدعوة وتعليم الناس وتربية الشباب خير وأجزل أجرًا، وقدوته في ذلك ورائده أئمة الدعاة من السلف الصالح الذين كانوا يسيحون لنشر الدعوة وتبليغها، ويبادئون الناس بالكلام، ويحتكون بهم احتكاكاً هادفاً، ولا ينتظرون مجيء الناس لهم ليسألوهم هكذا كان شأن الدعاة دومًا. إن الإسلام حركة وعمل ودعوة وجهاد، والإسلام يتمثل في رجاله الذين يتحولون إلى قرآن يسير على الأرض، ويتمثل صوراً متحركة في المجتمع، وهكذا كان الصحابة (رضي الله عنهم) المرتحلون للدعوة (3). ومن حق المدعو أن يؤتى ويدعى، أي أن الداعي يأتيه ويدعوه إلى الله تعالى، ولا يجلس الداعي في بيته وينتظر مجيء الناس إليه، وهكذا كان يفعل الداعي الأول نبينا الكريم ﷺ يأتي مجالس قريش ويدعوهم، ويخرج إلى القبائل في منازلها في موسم قدومها في مكة، ويدعوهم، ويذهب إلى ملاقاة من يقدم إلى مكة ويدعوهم” (4).

قال الغزالي ـــــــ رحمه الله ـــــــ: “إعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خالياً في هذا الزمان عن مُنْكر، من حيث التَّقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحمْلهم على المعروف، فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البـلاد، فكيف في القرى والبوادي ومنهم الأعرابُ والأكْراد والتُّرْكُمانِية، وسائرُ أصناف الخلْق، وواجبٌ أن يكون في كل مسجدٍ ومَحَلَّةٍ من البلد فقيهٌ يعلّم الناس دينَهم وكذا في كل قرية، وواجب على كل فقيه – فرغ من فرض عينه لفرض الكفاية أن يخرج إلى ما يجاور بلده من أهل السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم، ويعلِّمَهم دينهم وفرائض شرعهم” (5)

يقول الغزالي بهذا في زمانه فكيف لو رأى ما في زماننا فإلى الله المشتكي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟

وعن جعفر بن سليمان قال : “سمعت مالك بن دينار يقول : لو استطعتُ ألا أنام لم أنم مخافة أن ينـزِل العذاب وأنا نائـــــم، ولو وجـــدت أعوانا لفرَّقْتُهم ينادون في سائـــــــر الدنيا: يا أيهــــا الناس : النارَ النارَ” (6).   

إن واقع المسلمين اليوم فضلاً عن غيرهم من أتباع الديانات الأخرى ليشهد تحولات هي أحوج ما تكون إلى الرحلات الدعوية وفق منهج السلف الصالح، فعلى الدعاة أن يشمروا عن سواعد الجد، ويرتحلوا لمشارق الأرض ومغاربها، إذ أن العالم اليوم يشهد تحركاتٍ دعويةً حثيثةً من أصحاب العقائد والمذاهب الضالة.

إن الإسلام في هذه المرحلة بحاجة إلى العناصر المتحركة .”وإنّ تحرك صحابة النبي ﷺ بعد وفاته في أقطار الأرض لَدَليلٌ على أن الشخصية التي صاغها النبي ﷺ ورباهم عليها هي الشخصية المتحركة للدين التي لا تعرف السكون ولا الكمون” (7)


 

  • المطلب الثاني

 أهمية الرحلات والبعوث الدعوية في نشر المِلل والنِحل

تعد الرحلات والبعوث الدعوية أحد أهم سبل نشر الدعوات المتعددة،  وهي وكما كانت وسيلة دعوة النبي ﷺ ومن اقتفى أثره من الصحابة (رضي الله عنهم) ومن تبعهم بإحسان مازالت تتخذ وسيلة لنشر دعوات الملل والنحل الفاسدة التي ملأت الأرض ظلماً وفساداً،  وهذا مصداق ما أخبر به خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ من أن أمته ستفترق لفرق كثيرة، وستظهر فرق مخالفه لشرعه وهديه.

  • إن المتأمل لحال البشرية الدينية اليوم يرى أن الناس على أربعة أصناف:

الصنف الأول: مسلم متمسك بدينه، معتصم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، يؤمن بالله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، على هدى من دين الله وبصيرة.  وهؤلاء ــ رغم قلتهم ــ منتشرون ـ بحمد لله ـ في سائر المعمورة يربطهم رباط العقيدة الصحيح، وأخوة الإيمان.

الصنف الثاني: المنتمون للإسلام وهم على شيء من الانحراف والضلال، أو على الكفر أو الجهل، وهم مع الأسف كثير ممن يدعي الإسلام من الصوفية، والرافضة، والباطنية، والنصيرية، والقبوريين  وأصحاب المبادئ والاتجاهات الهدامة: كالاشتراكية، والبعثية، والقومية، والعلمانية، وسواهم من ذوي الانحراف العقدي والعملي.

الصنف الثالث: أتباع الديانات الضالة، وهؤلاء إما كتابيون، وهم الذين ينتمون إلى الأديان المنزلة من الله في أصلها، ولكن دخلها التحريف والشرك ثم نسخت، وهم اليهود والنصارى. وإما وثنيون يتبعون دينا مبتدعاً يقوم في أصله على الشرك والوثنية وتقديس المخلوقات، كالبراهمة، والبوذيين، والكنفوشسيين، والمجوس، وأكثر الفلاسفة، وهذا الصنف كافر صريح الكفر.

الصنف الرابع: الملاحدة وهم الذين لا يدينون بدين، أو يتبعون مذاهب تجحد وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهم بعض الفلاسفة، والدهريون، والشيوعيون، وبعض العلمانيين ونحوهم، وهم كفار ملاحدة ([8]).

وبالرغم من اتخاذ الرحلات والبعوث الدعوية وسيلة في نشر الكثير من الملل والنحل الهدامة التي اقتسمت المعمورة وعاثت فيها فساداً وضلالاً إلا إنه سيتم الاقتصار على ما يتعلق برحلات وبعوث التنصير والرفض الدعوية؛ نظراً لعظيم خطرها واتصاف كل منهما بالتنظيم والدقة، والمتابعة الحثيثة للجهود التي تبذلهما كل من هاتين الفرقتين  في نشر ما يروجونه من  بدع وضلالات تلظى بنيرانها كثير من الشعوب التي سبقونا إليها. بل لقد اكتوى بلهيب حمئتها كثيرٌ ممن ينتسبون لأهل السنة والجماعة.

  • رحلات وبعوث النصارى الدعوية :

تعد رحلات وبعوث النصارى الدعوية أحد الرحلات المؤثرة التي عاثت في الأرض فسادا و “حركة التنصير” (9). هي إحدى إفرازات الحركة الصليبية، بل أحد وجهيها، فقد تأسست لتحقيق أهدافها، وفي ظلها وبجهودها نبتت الحركة، وتبعاً لذلك، مرت بنفس أدوار القوة والضعف التي مرت بها، فكانت مثلها ومعها تخرج من طور لتدخل في طورٍ جديد (10).

ومدارس التنصير هي أحد المؤسسات التعليمية التي أنشأتها الكنائس والأديرة المختلفة والتي تعد المنصرين علمياً.

أما الإرساليات فهي البعثات التي توفد من الهيئات النصرانية لتنصير الناس بالإنجيل، وأعضاؤها من المثقفين الذين تخرجوا في مدارس التنصير، وهؤلاء حين يذهبون إلى بلدٍ ما يؤسسون به كنيسة لهم أو أكثر، وفي أكثر الأحيان ينشئون بجانب الكنيسة مدرسة ومستشفى، وكلاهما للتنصير ومحاولة إدخال الناس في النصرانية، وهـــــذه الإرساليات نشأت وتمــــــت بعد الحروب الصليبية (11)

وقد أسس المنصرون  تنصيرهم على أسس علمية استخلصوها بعد دراسة عميقة حسب   الآتي : ــــــ

  1. على المبعوث النصراني أن يعرف لغة الشعب الذي سيتوجه للتنصير بين أفراده، كما عليه دراسة عادات أفراده وتقاليدهم، ومعتقداتهم، ومواطن الضعف فيهم، وما ينفرهم، وما يجذبهم.
  2. أن يكون المنصر على دراية بكيفية الدعوة النصرانية، وكيفية الهجوم على ديانة الشعب الذي سيذهب إليه ونشر الأكاذيب، ولا حرج عليه في التلون للوصول إلى قلوب بعض الناس.
  3. أن يكون المنصر ــ إن لم يكن طبيباً ــ ملماً ببعض مبادئ التطبيب والتمريض والإسعافات العاجلة (12)
  • أهداف رحلات وبعوث النصارى الدعوية:

واجهت ــ بحمد الله ــ حملات التنصير المتوالية على ديار المسلمين الفشل الذريع، وبهذا صارت عملية التنصير بلغة الأرقام صعبة إن لم تكن مستحيلة بين الشعوب التي تدين بالإسلام، فاقتصرت أهداف العملية على الجزء الأول منها وهو إخراج المسلمين من دينهم (13).

“والتنصير ظاهرة متجددة ومتطورة في آنٍ واحد. وتطورها يأتي في تعديل الأهداف، وفي توسيع الوسائل، ومراجعتها بين حين وآخر، تبعاً لتعديل الأهداف، ومن ذلك اتخاذ الأساليب العصرية الحديثة في تحقيق الأهداف المعدلة، حسب البيئات والانتماءات التي يتوجه إليها التنصير، حتى وصلت هذه الظاهرة عند البعض، إلى أنها أضحت علما له مؤسساته التعليمية ومناهجه ودراساته ونظرياته” (14).

ولدى المنصرين، في مجملهم، الاستعداد الذاتي للانخراط في حملات التنصير لدوافع مختلفة، أبرزها المغامرة والرحلات، والدخول في مجتمعات مختلفة عن المجتمع الغربي، ثم تأتي الدوافع الدينية المقصودة أولا من وراء الحملات (15).

لقد كان أحد أهداف هذه الحملات استغلال خيرات بلاد المسلمين، وزعزعة الوحدة الإسلامية التي يرى المنصرون أنها من أعظم المخاطر التي تهدد النصرانية (16).

ومن أهدافه حملات التنصير تشجيع انتشار المجلات الخليعة، والكتب العابثة، والبرامج التلفزيونية الفاسدة، والسخرية من علماء الدين، والترويج لفكرة تحديد النسل، والعمل على إفساد المرأة المسلمة، ومحاربة اللغة العربية، وتشجيع النعرات القومية. ويتضح مما سبق: أن التنصير حركة سياسية استعمارية تستهدف نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث عامة وبين المسلمين على وجه الخصوص، ويستغل زعماؤها انتشار الجهل والفقر والمرض (17).

“وفي العالم الإسلامي اليوم جيوش جرارة مرئية وخفية من أولئك الذين يدعون بلا خجل أنهم (منصرون) ويشعر المرء بالأسى والمرارة حين يقرأ أو يشاهد أعمال هؤلاء ( المنصرين) وما يفعلونه بعباد الله من أجل تحويلهم إلى النصرانية” (18).

وتعد ظروف الفقر والفاقة التي خلفتها مجموعة من العوامل البشرية، والكوارث الطبيعية التي حلت بالمسلمين بقضاء الله وقدره إحدى الوسائل المساندة لحملات التنصير. وهي وسيلة مساندة قوية. فهؤلاء المنصرون لديهم من الإمكانات المادية ما يجعلهم قادرين على الوصول إلى المناطق المنكوبة مهما كانت وعِرة أو نائية ما دام فيها فقراء مُعَوزون يأكل الجَفافُ من جلودهم. وهم على هذه الحال مستعدون لقبول أي إغاثة تصل إليهم دون النظر إلى مصدرها والأهداف من ورائها (19).

  • رحلات وبعوث الروافض الدعوية:

يعيش الروافض ومنذ ظهورهم حالة مواجهة مع بقية الأمة الإسلامية، وهم وفي إطار سعيهم الحثيث لتكوين المزيد من الأتباع يعمدون لذلك “عن طريق إثارة النزعات الطائفية والعنصرية والمذهبية وزرع الأحقاد بين المسلمين، وادَّعاء الأفضلية لبعض السُّلالات على سائر أبناء الأمة، وتتخذ من فكرة التشيع ورُوَّادها العنصريين والطائفيين أداةً ووسيلةً لتنفيذ مشروعها الاستعماري، وتبعث منهم بعوثاً إلى جامعاتها وحوازاتها، وتُعِدُّهم بالفكر والمعتقد الذي تريد” (20).

“وقد نشطوا هذه الأيام؛ لنشر ضلالهم، والدعوة إلى أفكارهم في مناطق عديدة لم يكن لهم فيها أثر… ولهم أساليب عديدة للوصول إلى مبتغاهم، لعل أهمها الدندنة حول حب آل البيت، وذكر مزاياهم ـــ سواء صحت أو لم تصح ـــ مستغلين حب المسلمين لآل البيت دون أي ذكر للصحابة في البداية ـــ لا سلباً ولا مدحاً ـــ ثم يبدأون باختلاق أن أهل البيت قد تعرضوا للظلم بعد وفاة الرسول ﷺ وأنه نالهم جورٌ وحيفٌ كثير، وهنا يصبح مستمعهم الساذج مؤهلاً لتقبل افتراءاتهم بشأن الصحابة الكرام” (21).

“فالشيعة بما درجوا عليه لا يظهرون عقائدهم وأفكارهم إلا لبني جلدتهم. أما مع مخالفيهم فهم يتسترون بالتُقية فيضمرون أشياء ويظهرون أخرى تماشياً مع خُلق الكذب والنفاق الذي اعتادوا عليه” (22).

  • أهداف رحلات وبعوث الروافض الدعوية :

“إن الرافضة ــ خذلهم الله ـــ ما فتئوا يسعون لنشر مذهبهم، وصرف المسلمين عن دينهم، وإيجاد القطيعة بينهم وبين سلفهم من أصحاب النبي ﷺ بحجة موالاة آل البيت مما يسقط الثقة بالكتاب والسنة التي نُقلت عن طريقهم، والتي هي أصل ديننا نحن المسلمين؛ فيصير المفتونون بعدها إلى أصول الرافضة التي أكثرها يهودية أو فارسية مجوسية، ويصبح هؤلاء المتشيعون طابوراً خامساً، وسرطاناً يســـــــري في جســـم الأمـــــــة عبئاً على المسلمين، وخطراً محدقاً بهم يتربص بهم الدوائر” (23).

“ولكي يحقق المشروع الرافضي أهدافه؛ نجد الشيعة الرافضة .. يكذبون على أنفسهم بزعمهم المحبة لأهل البيت، وهم الذين يفترون عليهم الكذب، فيصورونهم للناس عموماً ولأتباعهم خصوصاً بأنهم طائفة عنصرية، قضوا حياتهم في كل عصر في صراع مع الأمة على الزعامة والولاية ولم يتفقوا مع أحد، وأنهم شخصياتٌ خرافية، وليسوا كسائر الناس، ولم يصلح لهم حال، ولم ينالوا محبة الأمة ولا احترامها، وأكثر من ذلك نجد أن الفجور والخبث والوقاحة دفع بالرافضة إلى الانتقاص من أهل البيت بإلصاق التُّهم ببعضهم، ووصف البعض الآخر بصفات لا تتفق مع الشرع، ولا يقبلها العقل” (24).

“كما أنهم لا يفتُرون عن الطعن في كل من يخالفُهم، ويرمونه بكل عيب ونقيصة، ويبذلون جهدهم لتشويهه، ويحظى عندهم مصطلح “الوهابية” ومصطلح “السلفية” بالقسط الأكبر من هذا التشويه والتدنيس، ويحملونه تبعة جميع ما يعاني منه المسلمون اليوم من مصائب وأزمات؛ وأنهم العقبة الكؤود في وجه التقريب بين الشيعة والسنة، ولذلك يلصقون بكل من كشف زيفهم أو فضح عوارهم تهمة أنه وهابي أو سلفي، وهم بذلك يريدون أن يُذروا الرماد في الأعين ويوهموا السامع والرائي أن خلافهم مع هؤلاء كخلاف سائر أهل السنة معهم” (25).

“وفي البلاد التي تسيطر فيها الصوفية ـــ وهي أكثر البلدان ـــ تسهل مهمة الشيعة جداً؛ إذ من السهل انتقال عوام المتصوفة إلى التشيع؛ فالقبور هي القبور، والتمسح بها هو التمسح، والاعتقاد الغيبي بأهلها عين الاعتقاد، والموالد نفس الموالد، فلا يوجد كبير فرق بين الطائفتين أصلاً” (26).

“ومخطط تحويل الصوفية إلى دين الرافضة لا يعد حديثاً إذا علمنا أن الصوفية كانت وما زالت إحدى أهم وسائل الأعداء في محاربة الإسلام إلا إن الجديد في الأمر هو استهدافهم من قِبل الشيعة… وصدق من قال : إن الصوفية والتشيع وجهان لعملة واحدة” (27).

“ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أخذوا يرسلون رجالهم، ويسخرون أموالهم لنشر مذهبهم الذي يقوم على سب الصحابة (رضي الله عنهم) وتكفيرهم” (28) .(رضي الله عنهم) والهدف من وراء سب وطعن الصحابة (رضي الله عنهم) هدم الإسلام لأنه وصل إلينا عن طريقهم والطعن في الناقل طعن في المنقول وهم الذين بلغوا سنة النبي ﷺ التي هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم للدين الإسلامي الحنيف (رضي الله عنهم) (29)”.

“وهنا لابد من التحذير … من محاولات نشر التشيع في صفوف المسلمين في أفريقيا وبلدان آسيا الوسطى، فالفراغ الذي تركه دعاة أهل السنة هناك يحاول شغله أتباع هذا الدين البديل … بل إن ما حققوه من تشييع رئيس دولة إسلامية عربية … يعد اختراقاً خطيراً في مجمل هذه الأحداث، وهذا يحتم على المهتمين بشؤون الدعوة من المسلمين إلى المسارعة في سد هذا الفراغ الكبير من خلال الدعوة بين مسلمي تلك الدول والعودة بهم إلى الدين الحق وترسيخ منهج الكتاب والسنة لديهم ليكونوا في منأى من تلك التيارات الهدامة” (30).

  • حقيقة رحلات وبعوث الروافض الدعوية :

“الحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزردشتية وهندية، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته، كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً يضعون وراءه كل ما شاءت أهواؤهم” (31).

“اتسمت هذه الحقبة من عمر الأمة بجملة من المعطيات أهمها بروز الرافضة كقوة مؤثرة في حركة الاحداث … وكذلك ظهور تيارات فكرية محسوبة على أهل السنة تطرح أفكارا تفضي بمجملها إلى تضليل الأمة وإيجاد مبررات الاحتلال وذرائع الإرتماء في أحضان الأجنبي … وكان من آثار هذا التحالف المشؤوم ما نراه اليوم من مد رافضي مدعوم من قِبل الغرب الصليبي وأربابهم اليهود” (32).

“لقد أدرك الأعداء بأن خير من يخدمهم في تنفيذ مخططاتهم لهدم الإسلام هم الرافضة لالتقاء مصالحهم في معاداة أهل الإسلام من جهة؛ ولتشابه عقائدهم من جهة أخرى، وبعد محاولاتهم الحثيثة والفاشلة في اجتثاث الإسلام وصلوا إلى نتيجة أوحى بها شياطينهم بأن الوسيلة المثلى للقضاء على الإسلام هو استبداله بدين الرافضة” (33)

“إن من المخططات المكشوفة التي لم تعد خافية أن من استراتيجية الغرب ودولة اليهود، وخيارهم المفضل أن ينتشر التشيع في العالم الإسلامي؛ لأن الشيعة هم أفضل حليف، وأمثل نصير ضد العدو المشترك (أهل السنة) لكن هذه الحقيقة ــ للأسف الشديد ــ لا يستسيغها كثيرٌ من أهل السنة المغرر بهم” (34).

“إن الرافضة رفعوا شعارات النصرة “لفلسطين” بُغيةَ خداع الآخرين ولكي يجدوا موطأ قدم في بلاد المسلمين لينفثوا فيها سمومهم… علما بأن هذه المناصرة لا تعدو إقامة المهرجانات والاحتفالات لإحياء ذكرى فلسطين ولم يزيدوا على ذلك شيئا” (35).

“وقد يتساءل البعض : أليس هدف الغرب الصليبي نشر النصرانية بين بلاد المسلمين ؟ فهل تخلى الصليبيون عن أهدافهم تلك من خلال نشر دين الرافضة بين المسلمين ؟ أقول .. يجب أن لا ننسى بأن اليهود والنصارى لا يهمهم كثيرا أن يتحول المسلمون إلى إحدى دياناتهم بقدر ما يهمهم إخراج المسلم من دينه الحق وتركه هائما على وجهه من غير وازع ديني، أو عقيدة واضحة؛ كي يسهل التحكم به وتوجيهه” (36).

“بعد هذه الرحلة المرهقة في بيان الحقائق المؤلمة لفرقة ضلت عن الطريق القويم، وزلت أقدامها عن الصراط المستقيم، وبعدما تبين من اعتقادات فاسدة، وبعد أن تبين أن تلك العقائد هي عقائد القوم ـــــ القدامى منهم والمتأخرين ـــــ أثبتت ذلك كتبهم ونطقت به ألسنتهم، فهل يكون لأي دعوة تقام للتقارب فائدة تذكر، اللهم إلا خداع أهل السنة والجماعة، واستمالة الضعاف منهم والعوام تحت ستار حب أهل البيت الأطهار” (37).

“وستظل ردود الأفعال دون المأمول ما فتئت تدور في فلك الأوراق والأبحاث” (38).

“والواقع أن الاتزان أصل في الرؤية وسند في التخطيط المقابل؛ فإن المرتجى هو مشروع نقي مقاوم ثالث لكلا الخطرين، وما يستجد من غيرهما، ولا يستقوي بهذا اتقاء لذاك، ويعلي من شأن أمة ينبغي أن تحفر اسمها من جديد على ألواح التاريخ” (39).

وهكذا تتضح آثار الرحلات والبعوث الدعوية في نشر الدعوات المتعددة، وهي وسيلة مهمة اتخذها أعداء الدين وفق رؤى ومخططات اعتمدت على عقد المؤتمرات الدورية التي تتدارس ما تحقق من إنجازات وسبل معالجة ما يكون من أخطاء وإخفاقات. الأمر الذي أدى  إلى تحقق الأهداف وتسجيل الكثير من النجاحات التي لم تكن لتتحقق لولا الدعم المادي المفتوح وما رافقه من إعداد اعتمد على المعرفة التامة في كل ما يحيط بـمبـاشرة هذه الدعوات وما رافق ذلك من بعث البعوث وإرسال الدعاة أو ما يسمونه بالإرساليات،  وهذا ما يحتاجه دعاة الحق.


[1]– مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي 10/354.

[2]–    إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ، 2/121.

[3]–    انظر: مصعب بن عمير الداعية المجاهد، محمد برنغيش، ص176.

[4]–    أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان ، ص347.

[5]–    إحياء علوم الدين، أبي حامد الغزالي، دار ابن حزم، بيروت،  الطبعة الأولى، 1426هـ، ص820.

[6]–  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني،  دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د ط، 1416هـ،  الطبقة الأولى من التابعين، مالك بن دينار، ص370.

[7] ـــــ    ثلاثون طريقة لخدمة الدين، المعتز بالله الصمدي، دار الخلفاء الراشدين للنشر، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 2007م، ص 8.

[8]  ـــــ الموجز في الأديان والمذاهب، ناصر القفاري وناصر العقل، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى،1413هـ، ص 11 – 14.

[9]  ـــــ الباحث يتفق مع ما ذهب إليه بعض المتخصصين من تخطئة إطلاق “التبشير” على جهود الصليبين الدعوية وأن الأصح تسميتها بحركة التنصير فذلك أنسب من تسميتها “بالتبشير” ففي ذلك إيحاء ببث بشارة الإنجيل، انظر : النصرانية والتنصير أم المسيحية والتبشير، محمد عثمان صالح، مكتبة ابن القيم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1410هـ، ص 55 .

[10]  ـــــ انظر: مدخل إلى حركة التنصير، ممدوح حسنين، دار عمار، الأردن، عمان، الطبعة الأولى، 1416، ص5.

[11]  ــــــ  انظر: الإرساليات التبشيرية، عبد الجليل لبي، منشأة المعارف، الإسكندرية، د ط، د ت، ص 149.

[12] ــــــ انظر : التنصير الغربي وأثره على الإسلام ودعوته، إبراهيم حسن إبراهيم، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (55) ربيع الاني 1433هـ، ص 369.

[13] ـــــ   انظر : المرجع السابق، ص 353.

[14] ـــــ التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته، على إبراهيم النملة، ص10 .

[15]  ـــــ انظر : التنصير في البلاد الإسلامية، محمد الشثري، دار الحبيب، الرياض، الطبعة الأولى، 1418هـ، ص 16.

[16]  ـــــ انظر : التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته، على إبراهيم النملة،  الطبعة الثانية، 1419هـ، ص 104.

[17]  ـــــ انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الناشر: دار الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1420هـ، ص 695.

[18] ـــــ التنصير والاستعمار في إفريقيا السوداء، عبد العزيز الكحلوت، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، د ت، د ط، ص 17، وقد أورد المؤلف إحصائيات عن تلك الجهود في ص 67.

[19] ـــــ انظر: التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته، على إبراهيم النملة، ص 63.

 [20]ـــــ خطر المشروع الاستعماري الرافضي المجوسي، عبدالعزيز بن محمد الزبيري، د ط، 1434، ص7.

 [21]ـــــ تحذير البرية من الشيعة في سورية، ص 4.

 [22]ـــــ المخطط العالمـــــــي لنشـــــــــــــــــــــر التشيع، خطورتــــــــه، وسبل مواجهتـــــــــه، محمد بن زيـــــــد المهاجــــــر، دار الجنـــــة للنشر والتوزيـــــع، د ط،1430هـ، ص 47.

 [23]ـــــ تحذير البرية من نشاط الشيعة في سورية، عبد الستار آل حسين، الطبعة الأولى، 1428هـ، ص3.

 [24]ـــــ خطر المشروع الاستعماري الرافضي المجوسي، عبد العزيز الزبيري، ص 10.

 [25]ـــــ مجلة الإصلاح، عـدد خــاص عـــن التمــدد الشيعــي، دار الفضيلــة للنشــر والتوزيـــع، الجزائــر، السنــة الخامســة، العــدد 26، جمادي الأولى والآخرة 1432هـ، ص 5.

 [26]ـــــ تحذير البرية من نشاط الشيعة في سورية، ص 5.

 [27]ــــ المخطط العالمي لنشر التشيع، خطورته، وسبل مواجهته، محمد بن زيد المهاجر، ص 47.

 [28]ـــــ تعريف بمذهب الشيعة الامامة، أحمد محمد التركماني، جمعية عمال المطابع، التعاونية، عمان، الطبعة الأولى،  1403ه،  ص 7.

 [29]ـــــ الشيعة وتحريف القرآن، محمد أخمد النجفي ، دار الوعي الإسلامي، بيروت، د ط ، 1402ه، ص 50.

 [30]ــــ المخطط العالمي لنشر التشيع، خطورته وسبل مواجهته، محمد بن زيد المهاجر، ص 47.

 [31]ـــــ الشيعة والتشيع، إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة، باكستان، لاهور، الطبعة العاشرة، 1415هـ، ص 239.

 [32]ـــــ المخطط العالمي لنشر التشيع، خطورته، وسبل مواجهته، محمد بن زيد المهاجر، ص 4.

 [33]ـــــ المرجع السابق، ص 9.

 [34]ـــــ مجلة الإصلاح، عدد خاص عن التمدد الشيعي، ص 5.

 [35]ـــــ المخطط العالمي لنشر التشيع وخطورته، المرجع السابق، ص 21.

 [36]ـــــ المخطط العالمي لنشر التشيع خطورته وسبل مواجهته، محمد بن زيد المهاجر، ص 9.

 [37]ــــ موقف الأزهر الشريف من الشيعة الإثنى عشريـــــــة، طـــــه علــــــى السواح، دار اليسر، القاهــــرة، الطبعة الأولى، 1431هـ، ص 369.

 [38]ـــــ خريطة الشيعة في العالم، أمير سعيد، مركز الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانيـــــــة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1430هـ،  ص 19.

 [39]ـــــ المرجع السابق، ص236.