طبيعة الرسالة المحمدية للعالمـــين تقتضي الترحــل لتبليــغ الدعوة ونشـــر الديـــن فالله تبـــارك وتعالى أمـر رسولــه صلة الله عليه وسلم بتبليــغ الديـــن قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴿1﴾ قُمْ فَأَنْذِرْ ﴿2﴾) (1) وقـال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ) (2)، وقال تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)) (3)، وغيرهـا من الآيـــات العديـدة التي توالت في أوامر التبليغ للرســول صلى الله عليه وسلم.
والله عز وجل أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم الى جميع الثقلين الإنس والجن وأوجب عليهم الايمان به وبما جاء به وطاعته وان يحللوا ما حلل الله ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله وأن يوجبوا ما أوجبه الله ورسوله ويحبوا ما احبه الله ورسوله ويكرهوا ما كرهه الله ورسوله وأن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الانس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب الله تعالى كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث اليهم الرسول وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين أهل السنة والجماعة” (4).
وقد بين الله تبارك وتعالى ذلك في آيات عديدة قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)) (5). وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)) (6). وقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ) (7). وقال تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (8). وقال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ) (9). فهذه الآيات تفيد صراحةً أن الدعوة الإسلامية للعالمين، وأنها تعم المعاصرين لنزول القرآن ومن سيأتي بعدهم إلى يوم القيامة. بل إنها تشمل الجن مع الإنس باتفاق جمهور العلماء” (10) وعلى هذا فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحل لدعوة الجن قال تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)) ” (11) . روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أمرت أن أتلو القرآن على الجن فمن يذهب معي ؟ ” فسكتوا ، ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة ، ثم قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أنا أذهب معك يا رسول الله ، فانطلق حتى جاء الحجون عند شعب أبي دب فخط علي خطا فقال : ” لا تجاوزه ” ثم مضى إلى الحجون فانحدر عليه أمثال الحجل يحدرون الحجارة بأقدامهم ، يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة في دفوفها، حتى غشوه فلا أراه ، فقمت فأومأ إلي بيده أن اجلس، فتلا القرآن فلم يزل صوته يرتفع ، ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم ، فلما انفتل إلي قال : ” أردت أن تأتيني “؟ قلت : نعم يا رسول الله. قال:” ما كان ذلك لك ، هؤلاء الجـــــــــن أتــــــــوا يستمعون القـــــــــرآن، ثم ولوا إلى قومهم منذريــــــن فسألوني الزاد فزودتهم العظم والبعر فلا يستطيبن أحدكم بعظم ولا بعر” (12).
[1] ـــــ سورة المدثر، آية :2.
[2] ـــــ سورة المائدة، آية : 67.
[3] ـــــ سورة الأحزاب، آية : 45.
[4] ــــــ ايضاح الدلالة في عموم الرسالة لابن تيمية، مكتبة الرياض ، الرياض، دون طباعة ، دون تاريخ، ص 3.
[5] ـــــ سورة الأنبياء، آية :107.
6 ــــ سورة الفرقان، آية : 1.
[7] ـــــ سورة سبأ، آية : 28 .
[8] ـــــ سورة الأعراف، آية : 158.
[9] ـــــ سورة الأنعام، آية : 19.
[10] ـــــ الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها، أحمد غلوش، دار الكتاب المصري، القاهرة، الطبعة الثانية، 1407هـ،ص 216.
[11] ــــ سورة الجن، آية: 1-2.
[12] ــــ تفسير القرطبي 6/19. قال صاحب السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ( مهدي رزق الله ص 229) : ” وقد ثبت قدوم الجن على الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح ( أخرجه الإمام البخاري / الفتح 18/314 ح 4921، و مسلم 1/331/ح449) وذكر ابن حجر في (فتح الباري 18/315 وله مناقشة طويلة في ذلك ) أدلة تؤيد ما ذهب إليه ابن إسحاق (ابن هشام 273) وابن سعد (الطبقات 1/211-212) .