الرحلات الدعوية وأثرها في انتشار الإسلام

مـــن الثمرات التي تحققـــــت للرحلات والبعـــــوث الدعويـــة للصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) عبوديـــــة الله وحده لا شريك له وانتشار الإسلام بين ربـــوع ممالك، وأمصـــار البلــــدان التي رحلوا إليها قال أبو موســى الأشعــري (رضي الله عنه) أحد الصحابة المرتحلين للدعوة وهــو يصـــف ثمرة هـــذه الجهود: “قد جاهدنا بعد رسول الله ﷺ، وصلّينا وصمنا، وعملنا خيراً كثيراً، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجو ذلك” (1).

” ومهما يكن من أمر فإن انتشار الإسلام بتلك السرعة والسهولة اللتين تم بهما جاء ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ، ذلك أنه لم تكد تنقضي على وفاة الرسول ﷺ مائة سنة حتى كان الإسلام قد ثبتت ركائزه في بلاد ممتدة من المحيط الأطلسي وشبه جزيرة أيبيريا غرباً حتى بلاد الهند وحدود الصين شرقاً” (2).

لقد كانت الحاجة إلى الإصلاح عامة وليست خاصة فكان أن أكرم الله الخلق بهذا النبي الخاتم ﷺ الذي وحد العرب من أدناهم إلى أقصاهم في أقل من ثلاثين عاماً، ثم تحول لباقي أمم الأرض فضم ما بــــين المحيـــــط الغربي وجـــدار الصـــين في أقل من قرن واحد وهذا الذي لم تعرفه البشرية منذ أن أنشأ الله الخليقة على الأرض.

“إنها لمعجزةٌ تاريخية حقًّا لم تعهد لملة غير ملة الإسلام .. ويرجع سر انتشاره إلى أمرين: في الإسلام نفسه، وفي الداعي إليه وأصحابه وخلفائه من بعده.. أما الإسلام فقد حمل عناصر الحق والخير والقوة، والجمال المعنوي” (3).

“لقد سلك الإسلام في انتشاره في الأرض مسالك شتى ، ودخل إلى القلوب من مداخل كثيرة … فأما المدخل الأكبر فكانت الكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة يحملها المسلم المؤمن إلى غير المؤمن، ويبين له فضائل الإسلام وما يفتح لمعتنقه من أبواب الخير والأمل واطمئنان النفس، فيستجيب الرجل للإسلام ويدخل فيه عن طيب نفس وعن أمل في عظيم رحمة الله وثوابه العريض” (4).

لقد كانت هذه الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) كالغيث المبارك أينما وقع نفع؛ فما من بلد حلت به إلا وترى لها ثماراً طيبة نفع الله بها البلاد والعباد فتحققت عبودية الله وحده لا شريك له، وحل الأمن، وساد العدل، وأطمأن الناس، ورغد العيــــش.

رحل مصعب بن عمير (رضي الله عنه) داعياً لأهل المدنية فجعلها الله منزلاً، ومنطلقاً لرسالة سيد ولد آدم ﷺ ، ورحل الطفيل الدوسي (رضي الله عنه) لقومه فأتى بهم مسلمين، ورحل عبد الله ابن مسعود (رضي الله عنه) إلى الكوفة فجعل الله منها مركز علم، ونور يقصده طلاب العلم من كل مكان، ورحل أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) للبصرة فأبصرت واشتهرت بعلومها وفنونها، ورحل ابن عباس (رضي الله عنه) لمكة فأنشأ مدرسته الفقهية، ورحل معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء (رضي الله عنه) إلى الشام فأصبحت شامة بين الأمم، وهكذا الأمر في جميع الرحلات البعوث الدعوية للصحابة  والتابعين(رضي الله عنهم)  فجزاهم الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.

“لقد تعلم من صحابة رسول الله ﷺ التابعون (رضي الله عنهم)، ونقلوا إلى الدنيا صورة القدوة العظيمة في صحابة رسول الله  ﷺالذين تأسوا بأسوته واهتدوا بهديه، وفي حسن اقتدائهم بالصحابة (رضي الله عنهم) صاروا أمثلة عليا في عصورهم، وقدوة أيضا لمن جاء من بعدهم من أجيال أتباع التابعين، ولا تزال هذه السيرة العطرة تنتقل من جيل إلى جيل، وكلهم  من رسول اللهﷺ ملتمس، لذلك كان كل من يقتدي بمعلمه كأنما يرتشف من علم المصطفى ﷺ” (15).


[1] –  أخرجه الإمام البخاري، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة، ح 37.5، 3/1425ه.

[2] – الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، علي الصلابي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1429هـ، 60/2، 3/200.

[3] – السر في انتشار الإسلام، محمد أحمد عرفة، مطبعة النهضة، القاهرة، الطبعة الأولى، ص 2- 5.

[4] – الإسلام الفاتح، حسين مؤنس، سلسلة دعوة الحق الصادرة عن رابطة العالم الإسلامي، العدد الرابع، 2/4/1401هـ،ص10.

[5] –  من قضايا التربية الدينية في المجتمع الإسلامي، كمال الدين المرسي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 1419هـ، ص 135.