كيف تعامل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم المرتحلين للدعوة مع صنوف المدعوين
من عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) ما كان من مراعاة أحوال المدعوين فمما ” لا شك فيه، أن الله فطر الناس على صفات متفاوتة، وسجايا متنوعة، وإدراكات متباينة. فمنهم صاحب الحس المرهف، والطبع الرقيق، الذي يتأثر بالعاطفة، ويستجيب للموعظة، ومنهم العقلاني ذو التفكير، الذي يناسبه الطرح العقلي، والاستدلالات الرياضية، ومنهم الذي يؤخذ بالترغيب، ومنهم الذي يتأثر بالترهيب، ومنهم المسالم المنصت، ومنهم المجادل العنيد، ومنهم المتعالم، ومنهم المتجاهل، ومنهم القوي، ومنهم الضعيف، وقد يكون لبعضهم ظروف مؤقتة، تمنعه من الإدراك، وتحول دونه ودون الاستجابة، كمصيبة مفاجئة، أو خسارة فادحة، أو حالة نفسية معينة، ومما لا شك فيه أن مُقتضى الحكمة، ونفع الخطاب. أن تُراعى هذه الطباع، وأن يُهْتَمَّ بخطاب كل صنف بما يناسبه، في إطار الشرع الحنيف” (1). لذلك أوصانا الداعية القدوة ﷺ بمراعاة أحوال المدعوين في كل المجالات” (2) .
وكل من تأمل “سنة نبينا ﷺ وسيرته رأى أن خطابه ﷺ يختلف باختلاف المخاطبين وأحوالهم وبيئاتهم وطرائق تفكيرهم ، كل وما يناسبه وينفعه ، وقد استفاد من هذا الهدي الصحابة (رضي الله عنهم)” (3)
“إن البصيرة هي أعلى درجات العلم التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه الخصيصة قد اختص بها الصحابة (رضي الله عنهم) عن سائر الأمة ثم سار عليها الذين اتبعوهم بإحسان، وهي أعلى درجات العلماء” (4) .
” فمعرفة أحوال الناس من الأمور الضرورية للداعية…فالدعاة إلى الله هم أطباء المجتمع، ومن شأن الطبيب أن يهتم بمعرفة الأدواء، ثم يعمل على علاجها بادئًا بالأهم قبل المهم، إذا من الضروري جدا للداعية معرفة أحوال الناس، وما هم عليه من عادات وتقاليد، وما لديهم من إيجابيات وسلبيات حتى يتمكن الداعية من تنمية الإيجابيات وتطويرها ورعايتها، والقضاء على السلبيات إن أمكن أو الحد منها على الأقل والوقوف في طريقها، ومنعها من الانتشار في المجتمع؛ لأنها إن تركت فهي كالنار في الهشيم، فإذا عرف الداعية أحوال البلد تمكن بعد ذلك من العمل بجد وإخلاص” (5) .
-
مراعاة الشدة واللين في تعامل الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة مع المخاطبين:
” مما تقتضيه مراعاة أحوال المخاطبين حرص الداعي على استخدام ما يتناسب معهم من اللين والشدة، فهناك أناس لا تزيدهم الشدة إلا بعدا، ولا تنتج القسوة معهم إلا نفورا وإعراضا، وهناك آخرون لا يزيدهم اللين إلا طغيانا، ولا يثمر الرفق معهم إلا عصيانا، فيجب على الداعية مراعاة حال هؤلاء وأولئك، فيستخدم مع كل صنف من اللين أو الشدة، ما يرجى ـــ بفضل الله ـــ من ورائه نجاح الدعوة وقوة تأثيرها وفلاحها”(6) .
فمن صور مراعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة لأحوال المدعوين في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية ما كان من شدة المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) مبعوث سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) لدعوة رستم قائد جيش الفرس نظراً لما رآه المغيرة من تعالي رستم وتكبره فعندما أقبل إليهم والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبسطهم على غلوة لا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليهم غلوة، وأقبل المغيرة (رضي الله عنه) وله أربع ضفائر يمشي، حتى جلس معه على سريره ووسادته ، فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوه ومغثوه ، فقال : “كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوما أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضا إلا أن يكون محاربا لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعـــض، وأن هــــذا الأمـــر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل وأنكم مغلوبون، وأن ملكا لا يقوم على هذه السيرة، ولا على هذه العقول”. لقد ناسب أن يظهر المغيرة (رضي الله عنه) هذا الأسلوب لما رآه من تكبرهم وتعاليهم وهذا ظاهر في رد رستم على المغيرة عندما قال له : ” لم نزل متمكنين في البلاد، ظاهرين على الأعداء، أشرافا في الأمم، فليس لأحد من الملوك مثل عزنا وشرفنا وسلطاننا، ننصر على الناس ولا ينصرون علينا إلا اليوم واليومين أو الشهر والشهرين للذنوب ، فإذا انتقم الله فرضي رد إلينا عزنا، وجمعنا لعدونا شر يوم هو آت عليهم، ثم إنه لم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرا منكم، كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة، لا نراكم شيئا ولا نعدكم، وكنتم إذا قحطت أرضكم وأصابتكم السنة، استغثتم بناحية أرضنا، فنأمر لكم بالسيئ من التمر والشعير ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم ، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم ، وآمر لكل رجل منكم بوقر تمر وبثوبين وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم”.
فكان رد المغيرة (رضي الله عنه) بأشد من قوله الأول وقول رستم حيث قال (رضي الله عنه) : ” إن الله خالق كل شيء ورازقه، فمن صنع شيئا فإنما هو يصنعه والذي له، وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء ، والتمكن في البلاد، وعظم السلطان في الدنيا ، فنحن نعرفه ولسنا ننكره ، فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم ، وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال، وضيق المعيشة ، واختلاف القلوب، فنحن نعرفه ولسنا ننكره ، والله ابتلانا بذلك وصيرنا إليه، والدنيا دول، ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه، ولم يزل أهل رخائها يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ويصيروا إليها ، ولو كنتم فيما آتاكم الله ذوي شكر، كان شكركم يقصر عما أوتيتم، وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال ، ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر ، كان عظيم ما تتابع علينا مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا ، ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه ، أو كنتم تعرفوننا به، إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولا ثم ذكر مثل الكلام الأول، حتى انتهى إلى قوله : وإن احتجت إلينا أن نمنعك فكن لنا عبدا تؤدي الجزية عن يد وأنت صاغر، وإلا فالسيف إن أبيت” (7).
-
مراعاة الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة لإنزال الناس منازلهم :
كان الصحابة والتابعون (رضي الله عنهم) المرتحلون للدعوة يراعون في دعوتهم أحوال الملأ وهم “أشراف القوم وقادتهم ورؤساؤهم وساداتهم” فهم إذن البارزون في المجتمع وأصحاب النفوذ فيه الذين يعتبرهم الناس أشرافاً وسادة، أو يعتبرون حسب مفاهيم المجتمع وقيمه أشراف المجتمع وسادته، ومن ثم يستحقون – في عرف الناس – قيادة المجتمع والزعامة والرئاسة فيه” (8).
وكان من هدي النبي ﷺ إنزال الناس منازلهم قالت عائشة ــــ رضي الله عنها ــــ : “أمرنا رسول الله ﷺ أن ننزل الناس منازلهم” (9).
وقد راعى النبي ﷺ ذلك في بعوثه إلى الملوك والعظماء فقال ﷺ على سبيل المثال لا الحصر ((مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ (10). ))
لقد صيغت كتب النبي ﷺ إلى الملوك والرؤساء “بمنتهى الحكمة والبراعة فالرسول ﷺ فيها سمح يدعو ولا يهدد، يخاطب الملوك والرؤساء بألقابهم ويعترف بمكانتهم ويقرر أن سلطانهم في ظل الإسلام باق لهم، وهو بذلك يؤكد أنه ليس طالب ملك، ثم هو يذكر أن هناك زكاة في أموال الأغنياء ولكنه يؤكد أن الزكوات والصدقات لا تحل لمحمد ولا آل محمد، وإنما تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقرائهم، وهو بهذا يؤكد أنه ليس طالب مال… كان ﷺ يخاطب كل ملك حسب ظروفه، فإن كان من أهل الكتاب أشار إلى ما بين الأديان السماوية من روابط، وإذا كان من غيرهم أشار إلى التزام البشرية بالعودة إلى الله وترك عبادة ما سواه … وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء” (11) .
ومن نماذج مراعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية لذوي المكانة والرؤساء لما في ذلك من أثر إقبال المدعوين ما كان من سليط بن عمرو العامري (رضي الله عنه) مبعوث رسول الله ﷺ لدعوة هوذة بن علي الحنفي أحد رؤساء اليمامة وكان كسرى قد توجه فقال له سليط: يا هوذة ..إنما السيد من منع بالإيمان ثم زود التقوى وإن قوما سعدوا برأيك فلا تشق به وإني آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شر منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان فإن في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار فإن قبلت نلت ما رجوت وأمنت ما خفت وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهول المطلع فقال هوذة : يا سليط سودني من لو سودك شرفت به وقد كان لي رأي اختبر به الأمور ففقدته فموضعه من قلبي هواء فاجعل لي فسحة يرجع إلي رأيي فأجيبك به إن شاء الله.
لقد راعي الصحابي الجليل سليط بن عمرو العامري (رضي الله عنه) مكانة هوذة الحنفي فخاطبه بخطاب رقيق ذكر فيه بمكانته وثقة قومه فيه وأن السيادة الحقيقة لا تكون إلا في الإيمان بالله ثم التسلح بتقواه (12) .
-
من صور مراعاة أحوال العامة:
إن “الداعية الحكيم هو الذي يدرس الواقع، وأحوال الناس، ومعتقداتهم، وينزل الناس منازلهم، ثم يدعوهم على قدر عقولهم وأفهامهم وطبائعهم وأخلاقهم ومستواهم العلمي والاجتماعي، والوسائل التي يؤتون من جهتها” (13).
قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) المرتحل للكوفة: “ما أنت بمحدث قوم حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة” (14) .
ففي رحلة معاذ بن جبل (رضي الله عنه) الدعوية إلى اليمن كان الرسول ﷺ راعى حال مدعويها عندما قال له ﷺ : (( إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)) (15).
” لقد كان إبراز هذه الرحلة الإيمانية والمهمة الدعوية التعليمية؛ وتوضيح التكليف الشريف من صاحب الدعوة محمد ﷺ، لأحد أصحابه أمراً واجباً تتلّمس من خلال أحداثه طريق فقه دعوي وممارسة ميدانية طرفاها رسول الله ﷺ، ورسولـه إلى اليمن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) . إن تلك القبسات تمثل علامات في الطريق في كل دور دعوي لأنها تمت بنجاح ، وقام منفذها بدوره فيها خير قيام، فكان هذا الجهد البياني لهذه الرحلة المباركة إلى أرض الإيمـــان اليمــــن الميمون” (16)
ومن صور مراعاة أحوال المدعوين في الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) ما كان من مراعاة الرسول ﷺ لطبائع نفوس وفد عبد قيس فعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إلى أَهَالِينَا قَالَ: ((ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ )) (17).
وهذا يدل على رفقة النبي ﷺ ورحمته بالمدعوين ومراعاة أحوالهم النفسية فقد أدرك ﷺ مدى شوقهم لأهليهم فكان أن بادرهم بذلك ﷺ قبل أن يطلبوه منه فوصفوه بالرحمة والرفق، ثم بين ﷺ مهمتهم الدعوية في رحلتهم هذه وهي تعليم أقوامهم ما تعلموه منه ﷺ ومن نماذج مراعاة أحوال ذوي القربى ما كان من الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي (رضي الله عنه) في رحلته الدعوية لقومه عندما قال لأبيه :”… إليك عني، فلست منك ولست منــي. قــــال : وما ذاك؟ قلت : إني أسلمت واتبعت دين محمد. فقال : أي بني، ديني دينك، وكـذلك أمــــي، فأسلما…” (18) .
ومن صور مراعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة لأحوال العامة ما كان من دعوة سعد بن معاذ (رضي الله عنه) لقومه عندما قال:” يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا فضلا، وأيمننا نقيبة. قال : فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله . قال: فو الله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا” (19) .
ومن ذلك ما كان من مبعوث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لأهل الكوفة معلماً ومفقهاً الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) عندما خرج أناس من أهل الكوفة إلى الجبانة يتعبدون واتخذوا مسجدا وبنوا بنيانا فأتاهم (رضي الله عنه) فقالوا: “مرحبا بك يا أبا عبدالرحمن لقد سرنا أن تزورنا قال: ما أتيتكم زائرا ولست بالذي أترك حتى يهدم مسجد الجبان إنكم لأهدى من أصحاب رسول الله ﷺ ؟! أرأيتم لو أن الناس صنعوا كما صنعتم من كان يجاهد العدو ومن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن كان يقيم الحدود ارجعوا فتعلموا ممن هو أعلم منكم وعلموا من أنتم أعلم منهم” قال الشعبي ـــــ رحمه الله ـــــ: واسترجع فما برح حتى قلع أبنيتهم وردهم” (20).
ومن ذلك ما جاء عن أبي قلابة قال: “جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: ” إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة أصلي كيف رأيت النبي ﷺ يصلي. فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي قال: مثل شيخنا هذا. قال: وكان شيخاً يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولـــى” (21).
” وما صنعه عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) من العناية بتعليم أهل البادية السنة ودعوتهم إلى الخير يجب أن يتعلم منه القائمون على أمر الدعوة في عالمنا الإسلامي، فيهتموا بأهل البوادي والقرى والمواطن النائية، وذلك ببعث الدُعاة إلى الله، ليقيموا مع هؤلاء ويبصروهم بدين الله، فإن في هذا تقوية للدين وصيانة للأمة، ولاسيما وأن أهل تلك المواطن ما زالوا بعيدين عن كثير من المؤثرات الحديثة التي تعكر الفطرة وتلوث الأخلاق، فلا ينقص هؤلاء أصحاب الفطرة السليمة إلا العلم الشرعي الصحيح الذي يجعلهم معتزين بدينهم ويعتز بهم دينهم” (22).
ومن صور مراعاة أحوال المدعوين من الأعداء ما كان من الصحابيين أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) و قيس بن سعد بن عبادة (رضي الله عنه) مبعوثي علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لدعوة الخوارج (23) .
وجدير بمن لازم العلماء بالفعل أو العلم أن يتصف بما اتصفوا به، وهكذا من أمعن النظر في سيرتهم أفاد منهم وهكذا كان شأن السلف الصالح، فأول ذلك ملازمة الصحابة لرسول الله ﷺ، وأخذهم بأقواله وأفعاله، واعتمادهم على ما يرد منه، كائنًا ما كان، وعلى أي وجه صدر… وإنما ذلك بكـــــثرة الملازمــــة، وشدة المثابـــــرة … وصار مثــــــل ذلك أصلًا لمن بعدهــــم؛ فالــتزم التابعــــون سيرة الصحابــــة مع النبي ﷺ ففقهــــــوا ، ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية، والأخلاق العلية (24) .
[1] منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر، عدنان بن محمد آل عرعور، ص81 .
[2] تأملات في فقه الدعوة، طلعت محمد عفيفي وجمال عبد الستار، الجمعية الشرعية الرئيسية، معاهد إعداد الدعاة، مصر، د ت ، د ط، ص 100.
[3] أدب التخاطب في ضوء السنة أصول وضوابط، مجلة البحوث الإسلامية، علي بن عبدالله الصياح، العدد الرابع والثمانون، الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الآخرة لسنة 1429 هـ، ص 349.
[4] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن قيم الجوزية، 2/481.
[5] دليل الداعية، ناجي السلطان، دار طيبة الخضراء، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، ص75 .
[6] من صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين في ضوء الكتاب والسنة وسير الصالحين، فضل إلهي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1417ه،ص 179.
[7] انظر : تاريخ الطبري 3/402 ــــــــ 403.
[8] أصول الدعوة، لعبد الكريم زيدان، ص 429
[9] أخرجه الإمام مسلم في المقدمة، 1/55.
[10] أخرجه الإمام مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي ﷺ إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، ح 1773، 3/1397.
[11] موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، ص312.
[12] انظر : الروض الانف، للسهيلي، حققه: عمر السلامي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ 1/370
[13] الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، سعيد القحطاني، ص 422.
[14] أخرجه الإمام مسلم، المقدمة، باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع، ح9، 1/ 11.
[15] أخرجه الإمام البخاري، كتاب: الزكاة، باب: أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، ح 1425، 2/544.
[16] رحلة معاذ بن جبل إلى اليمن كما وردت في السنة، أحمد محمد العليمي، ص 246.
[17] أخرجه الإمام البخاري، كتاب: الاذان، باب: من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد، ح 602، 1/ 220.
[18] سير أعلام النبلاء للذهبي، 1/346.
[19] المرجع السابق، 1/281.
[20] شرح السنة، للبغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، 10/55. الطبعة الثانية، 1403هـ .
[21] أخرجه الإمام البخاري، أبواب: صلاة الجماعة والإمامة، باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي ﷺ وسنته، ح 645، 1/240.
[22] عمر بن عبد العزيز ومنهجه في التمكين للدعوة، على سيد أحمد الفرسيسي، دورية دعوة الحق، كتاب: دوري محكم يصدر عن رابطة العالم الإسلامي، العدد 261، 15/1/1436هـ، ص156.
[23] انظر : البداية والنهاية، لابن كثير 7/289.
[24] انظر : موسوعة الأخلاق، خالد الخراز، مكتبة أهل الأثر، الكويت، الطبعة الأولى، 1430هـ، ص 90، وانظر : مراعاة أحوال الناس في ضوء السنة النبوية، عبداللطيف الأسطل، الجامعة الإسلامية بغزة، كلية أصول الدين، قسم الحديث، 1429هـ.