عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين رضي الله عنهم
المطلب الأول
عوامـــــل النجـــــــاح الذاتيــــــــــــة
الفـــــــــرع الأول : قوة الإيمان وعظــــم اليقين.
الفـــــــــــرع الثاني : العلــــــــــــــــــــــــــم والفهــــــــــــــــــــم.
الفرع الثالــــــث : الصـــــــــــــــــــــــــــبر والحلـــــــــــــــــم.
الفرع الرابــــــع : الحكمة والموعظة الحسنة.
الفــرع الخامس: القــــــــــــــــــــــــــــدوة الحسنــــــــة.
الفرع السادس: مراعاة أحـــــــوال المدعوين.
الفرع الأول
-
قوة الإيمان وعظم اليقين
إن “الإيمان هو كمال العبد، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة وهو السبب والطريق لكل خير عاجل وآجل، ولا يحصل، ولا يقوى، ولا يتم إلا بمعرفة ما منه يستمد وإلى ينبوعه وأسبابه وطرقه والله تعالى قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه، والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها، وقد جعل الله له مواداً كبيرة تجلبه وتقويه، كما كان له أسباب تضعفه وتهويه” (1).
و” اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يُمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم” (2).
“والواقع أن البركة في الزمان، وفي الرزق، وفي البيت إنما تكون من طريق قوة الإيمان، واتباع الأمر، واجتناب النهي، والشاهد لذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (3).
وكان الصحابة (رضي الله عنهم) المرتحلون للدعوة قد تعلموا من معلمهم وقدوتهم ﷺ كيف يكون صدق الإيمان الذي جعله الله من أعظم عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) فعن أَنَسٌ (رضي الله عنه) قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا قَالَ: (( مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)) (4).
قال القرطبي ــــ رحمه الله ـــــ في تفسير قوله تعالى: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ (5).
” ومعنى ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ أي بالنصر والرعاية والحفظ والكلاءة” (6)
“ومن المعلوم بداهة أن قد ثبت إيمان الصحابـــة (رضي الله عنهم) وجهادهـــــم بأنفسهـــم وأموالهـــم مع النبي ﷺ في سبيــل الله. ووعدِهــــم الله تعالى إياهم بعـدم الخــزي يـــوم القيامـــة دليـــل صريــــح علــى أن الصحابــة (رضي الله عنهم) قـــد ماتــــوا علـــى كمـــال الإيـــمان وعلــــى أن الله تعالــــــى قـــد رضي عنهـــم وكـذا رسوله ﷺ” (7)
وقد شهد الله جــــــل في علاه لصحابـــــــة رسوله ﷺ بالإيمــــــان، والتأثر بالقــــــرآن فقال تعالى:
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (8)
ففي هذه الآية الكريمة بيان اختصاص خير خلق الله ” وصفوته من البشرية جمعاء صحابة رسول الله ﷺ ، الذين نزل عليهم الوحي غضًّا طريًّا، فعاصروا أحداثه وأسباب نزوله، ففهموا مراد ربهم سبحانه ومراد رسوله ﷺ ، فكان ذلك الجيل المبارك خير من سمع، وخير من آمن، وخير من فهم، وخير من بلغ لمن بعده تمام التبليغ، فلا عجب أن تتطلع الأعناق إلى مستواهم، أو تنسب إليهم، وتتلمس منهجهم الحق في كل مسائل الاعتقاد” (9)
“وكمال إيمان الصحابة (رضي الله عنهم) صريح في أن جميع العقائد المطلوب معرفتها في الإسلام كانت مبنية موضحة حاصلة لهم” (10)
– من صور صدق إيمان الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة وقوته:
لقد كان صدق إيمان الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة وقوة يقينهم من عوامل نجاح دعوتهم إلى الله فهذا الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي (رضي الله عنه)بعد أن أمتلأ قلبه بالإيمان الذي جاء به الرسول ﷺارتحل لقومه داعياً إلى الله ومبشراً ونذيرا فما زال يدعوهم حتى استجاب منهم من استجاب (11)
وهذا ما كان من أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) عندما آمن وبعثه الرسول ﷺ لدعوة قومه (12)
لقد كان إيمان الصحابة (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة وعظم يقينهم بالله عظيماً لا يتزعزع حتى في أحلك الظروف ففي رحلة الصحابي الجليل حرام بن ملحان (رضي الله عنه) الدعوية وعندما طعن في ظهره غدرًا يوم بئر معونة ما كان منه إلا أن هتف قائلًا “فزت ورب الكعبة” (13)
ومن صور قوة إيمان الصحابة (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة وعظم يقينهم ما كان من الصحابي الجليل ربعي ابن عامر (رضي الله عنه) عندما بعثه سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنهم) لدعوة رستم ــــ قائد الفارس ــــــ وذلك قبل القادسية فعندما ” دخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي وأظهر اليواقيت واللآلي الثمينة والزينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة، وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه. فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: إئذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله. قالوا وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.
فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم كم أحب إليكم يوما أو يومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا، فقال: ما سن لنا رسول الله ﷺ أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال: أسيدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم، فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: ” هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا، وتدع دينك إلى هذا الكلب، اما ترى إلى ثيابه؟ …” (14).
“ولاشك أنه ما كان لرجل من عامة المسلمين أن يتحدث عن رسالة أمته عفو الخاطر، بهذه البساطة العابرة إلا أن تكون التربية التي أخْرَجَته تربية شاملة وشامخة .. تربيـــة تجعــل من رسالـــــة الأمة حقيقية مستقرة في نفس الفرد استقرار الفطرة المكينة العميقة !!” (15)
وقال طاوس أحد المرتحلين للدعوة إلى الله لعطاء: “إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق بابه دونك، ويجعل دونها حجّابَــه، وعليك بمن بابُه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسألَهُ، ووعـدك أن يجيبَك ” (16)
لقد كان إيمان الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة تصديقاً وتسليماً بما جاء في كتاب ربهم وسنة رسولهم ﷺ فرضي الله عنهم وأرضاهم.
* * *
الفرع الثاني
-
العلــــــــم والفهـــــــم
سعة علم وفهم الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة من عوامل نجاح رحلاتهم وبعوثهم الدعوية فقد تميزوا بسعة العلم وعمق الفهم فمن ” البصيرة في الدعوة إلى الله تعالى أن يكون الداعية إلى الله على علم فيما يدعو إليه، فإن من دعا الناس بجهل فقد خالف أمر الله تعالى بالدعوة إليه على بصيرة وعلم ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (17)، ولقد سمى الله تعالى العلم بصيرة ؛ لأنه يحصل به الصواب ، ويتبين به الحق، وتقوم به الحجـة، ويــردع به الباطـــل، ولهــــذا كـــان أول مـــا نبـــئ به النبي ﷺ هو قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (18). فكانت هذه الآيات الكريمات المباركات أول اتصال بين السماء والأرض في الإسلام، لتُبين فضل العلم، وأنه لا نجاح ولا فلاح إلا بالعلم، وهي رحمة رحم الله بها عباده، ونعمة أنعم الله بها عليهم” (19)
وكان الناس الذين رحل إليهم الصحابة والتابعون (رضي الله عنهم) معلمين ومفقهين يحتاجون إلى “معرفة ما أراد الله ورسوله ﷺ بألفاظ الكتاب والسنة، وأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل، وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ، فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب والسنة، عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ، وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلغوا تلك المعاني إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه، فإن المعاني العامة التي يحتاج إليها عموم المسلمين، مثل معنى التوحيد، ومعنى الواحد والأحد والإيمان والإسلام، ونحو ذلك.. فلابد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك، فإن معرفته أصل الدين” (20)
لقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) المرتحلون والمبعوثون للدعوة من العلماء الفقهاء قال الشيرازي ــ رحمه الله ـــــ : ” إعلم أن أكثر أصحاب رسول الله ﷺ الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء، وذلك أن طرق الفقه في حق الصحابة (رضي الله عنهم) خطاب الله تعالى وخطاب رسوله ﷺ وما عقل منهما، وأفعال رسول الله ﷺ وما عقل منها؛ فخطاب الله عز وجل هو القرآن، وقد أنزل ذلك بلغتهم وعلى أسباب عرفوها وقصص كانوا فيها، فعرفوا مسطوره ومفهومه، ومنصوصه، ومعقوله، ولهذا قال أبو عبيدة في كتاب المجاز: لم ننقل أن أحداً من الصحابة (رضي الله عنهم) رجع في معرفة شيء من القرآن إلى رسول الله ﷺ وخطاب رسول الله ﷺ بلغتهم يعرفون معناه ويفهمون منطوقه وفحواه وأفعاله التي فعلها من العبادات والمعاملات والسير والسياسات، وقد شاهدوا ذلك كله وعرفـــــوه وتكرر عليهـــــم وتبحـــــــروه … ولأن من نظــــر فيما نقلــــــوه عن رسول الله ﷺ من أقوالـــــه وتأمل ما وصفوه مـــــن أفعالــــــه فـــــــي العبادات وغـــــيرها اضطر إلى العلم بفقههم وفضلهم” (21) .
وعندما سُأل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ ومنهم بعض المرتحلين والمبعوثين للدعوة وهم ابن مسعود وأبو موسى الأشعري وسلمان الفارسي (رضي الله عنهم) قال (رضي الله عنه): في ابن مسعود (رضي الله عنه): قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفاه بذلك، وأما أبو موسى الأشعري فقال فيه: صبغ في العلم صبغة، وعندما سأل عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: علم العلم الأول والآخر بحر لا ينزح منا أهل البيت (22)
وأما علماء التابعين ومنهم المرتحلون والمبعوثون للدعوة فقد كانوا خلفاء الصحابة (رضي الله عنهم) ” الذين اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه، وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه… فأتقنوه، وعلموه، وفقهوا فيه، .. فصاروا برضوان الله عز وجل لهم، وجميل ما أثنى عليهم، بالمنزلة التي نزههم بها عن أن يلحقهم مغمز، أو تدركهم وصمة؛ لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه، وإقامة سننه وسبله، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى، إذ كنا لا نجد منهم إلا إماماً مبرزاً مقدماً في الفضل والعلم ووعي السنن وإثباتها، ولزوم الطريقة واحتذائها، ورحمة الله ومغفرته عليهم أجمعين، إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم، ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم، ولا هو في مثل حالهم، لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان…” (23)
قال قتادة عن أحد علماء التابعين المرتحلين للدعوة وهو الحسن البصري (رضي الله عنه) :” ما جمعت علم الحسن إلى أحد من العلماء إلا وجدت له فضلا عليه ، غير أنه إذا أشكل عليه شيء ، كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله ، وما جالست فقيها قط إلا رأيت فضل الحسن” (24)
وقد وصف الذهبي محمد بن واسع (رضي الله عنه) أحد التابعين المرتحلين للدعوة بالإمام الرباني، القدوة، أحد الأعلام (25).
وأما التابعي الجليل ابن شهاب الزهري (رضي الله عنه) أحد أبرز المرتحلين للدعوة فقد قال عن علمه الذي نشره في الأمصار ” والله ما نشر أحد العلم نشري ، ولا صبر عليه صبري ، ولقد كنا نجلس إلى ابن المسيب ، فما يستطيع أحد منا أن يسأله عن شيء إلا أن يبتدئ الحديث ، أو يأتي رجل يسأله عن شيء قد نزل به” (26)
وعلى هذا نجد أن من عوامل نجاح الرحلات الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) سعة علم الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم)، وعمق فهمهم فالدعوة بغير علم من أعظم عوامل الإفساد قال الحسن البصرى (رضي الله عنهم) : ” العامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبًا لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا تضروا بالعلم، فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم، حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد ﷺ، ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا” (27)
* * *
الفرع الثالث
-
الصـــــــبر والحلــــــــم
يعد الصبر في الدعوة إلى الله تعالى من أهم المهمات، ومن أعظم الواجبات على الدعاة إلى الله – سبحانه وتعالى -، والصبر وإن كان واجباً بأنواعه على كل مسلم، فإنه على الدعاة إلى الله من باب أولى … وقد أوضح الله – عز وجل – للناس أنه لابد من الابتلاء، والاختبار، والامتحان لعباده، وخاصة الدعاة إلى الله تعالى؛ ليظهر الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، والصابر من غيره، وهذه سنة الله في خلقه (28)
وقد أمر الله جل في علاه خــــــير الدعـــــاة وإمامهـــــم وقدوتهـــــم ﷺ فقال : ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ (29)
وصور الصبر في حياة النبي ﷺ كثيرة فهذا عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) عالم الكوفة وفقيهها يحكي عن نبيه ﷺ أحد المواقف التي تعلم منها الصبر فيما يلاقيه في دعوته فيقول: كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: ” اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” (30). وقد كان ﷺ على جانب عظيم من الحلم والتصبر، والعفو والشفقة على قومه ودعائه لهم بالهداية والغفران، وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون (31). “وحصل من أذيتهم القولية والفعلية مما هو معلوم لــــــــــدى العلمـــــاء في التاريـــخ ، ومع هــــــذا صبر فكانت العاقبـــــة لــــــه، إذن فكل داعية لا بد أن يناله الأذى ولكن عليه أن يصبر” (32).
-
من صور الصبر في رحلات وبعوث الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) الدعوية:
صور الصبر في رحلات وبعوث الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) الدعوية كثيرة فمنها ما كان من الصبر على مفارقة الأهل والأوطان، وترك الأهل والخلان، وتحمل مشاق السفر، والتعرض لأخطاره، وهـــذه فيهــــا من المصاعــــب ما لا يخفى قال النبي ﷺ: ((السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلى أَهْلِهِ)) (33)
” قوله : (( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ)) أي جزء منه، والمراد بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف” (34).
فلأجل الدعوة تحمل الداعية “مشاق السفر والجوع والسهر وتعرض للخطر إيماناً واحتساباً وجهاداً في سبيل الدين” (35).
ومن صور صبر دعاة الرحلات والبعوث الدعوية من الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) على ما يواجهونه في ذلك ما كان من صبر الصحابي الجليل مصعب بن عمير(رضي الله عنه) في رحلته الدعوية لطيبة الطيبة فبالرغم من التهديدات التي واجهها من قبل أهلها كسعد بن معاذ وأسيد ابن حضير ــــ رضي الله عنهما ـــــ إلا إنه كان يتخلق بالصبر والدعوة بالقرآن فكان أن هداهما الله للتي هي أحسن قال النووي ـــــ رحمه الله تعالى ــــــ”… وكفى بذلك فضلاً وأثرًا في الإسلام” (36).
وبالرغم من مكانة ابن عباس (رضي الله عنهم) وتمكنه إلا إنه لم يبادل ذلك الرجل الذي شتمه بما يقدر عليه بل عفى عنه وبين له ما تحمله نفسه الكريمة من محبة للمسلمين والاستبشار بما ينالهم من خير فعن عبدالله الأسلمي (رضي الله عنه) قال: “شتم رجل ابن عباس (رضي الله عنه) فقال له ابن عباس : إنك لتشتمني وفي ثلاث خصال، إني لآتي على الآية من كتاب الله تعالى فلوددت بالله أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلي لا أقاضي إليه أبدا، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح به ومالي من سائمة ” (37).
كما صبر أبو الدرداء (رضي الله عنه) عندما جاءه رجل وهو مريض فقال : “يا أبا الدرداء، إنك قد أصبحت على جناح فراق الدنيا، فمرني بأمر ينفعني الله به، وأذكرك به، فقال: إنك من أمة معافاة، فأقم الصلاة وأد الزكاة إن كان لك مال، وصم رمضان واجتنب الفواحش، ثم أبشر، فأعــــاد الرجـل علـــى أبي الــــــدرداء فقـــــــــال لــــــه أبو الـــــدرداء مثـل ذلك، فنفـــض الرجـل رداءه ثم قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ﴾إلى قوله: ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ﱠ (38) . فقال أبو الدرداء (رضي الله عنه): علي بالرجل، فجاء فقال أبو الدرداء (رضي الله عنه): ما قلت ؟ قال : كنت رجلا معلما ، عندك من العلم ما ليس عندي، فأردت أن تحدثني بما ينفعني الله به، فلم ترد علي إلا قولا واحدا، فقال له أبو الدرداء : اجلس ثم اعقل ما أقول لك : أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربع أذرع، أقبل بك أهلك الذين كانوا لا يحبون فراقك وجلساؤك وإخوانك فأتقنوا عليك البنيان وأكثروا عليك التراب وتركوك لمثلك ذلك، وجـاءك ملكان أســــــودان أزرقــــــان جعدان، أسماهما منكر ونكير، فأجلساك ثم سألاك: ما أنت وعلى ماذا كنت؟ وما تقول في هذا الرجل ؟ فإن قلت: والله ما أدري، سمعت الناس قالوا قولا فقلت قول الناس، فقد والله رديت وهويت، وإن قلت محمد رسول الله ﷺ أنزل الله عليه كتابه فآمنت به وبما جاء به فقد والله نجوت وهديت، ولن تستطيع ذلك إلا بتثبيت من الله مع ما ترى من الشدة والتخويف، ثم أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا موضع قدميك، ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة، الناس فيه قيام لرب العالمين، ولا ظل إلا ظل عرش رب العالمين ، وأدنيت الشمس ، فإن كنت من أهل الظل فقد والله نجوت وهديت ، وإن كنت من أهل الشمس فقــد والله رديت وهويت، ثم أين أنت من يوم جيء بجهنم قد سدت ما بين الخافقين وقيل: لن تدخل الجنة حتى تخوض النار، فإن كان معك نور استقام بك الصراط فقد والله نجوت وهديت، وإن لم يكن معك نور تشبثت بك بعض خطاطيف جهنم أو كلاليبها أو شبابيتها فقد والله رديت وهويت، فورب أبي الدرداء إن ما أقول حق فاعقل ما أقول” (39) .
ومن صور صبر دعاة الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية ما كان من صبرهم على ما يعتريهم من أمراض كصبر الصحابي الجليل معاذ بن جبل (رضي الله عنه) مبعوث رسول الله ﷺ، وسفيره إلى اليمن، ومبعوث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى الشام ليعلمهم ويفقههم في الدين، فعن ابن إسحاق عن شَهْر بن حَوْشَب (رضي الله عنه) عن رأيه قال: “لما اشتعل الوجع (طاعون عمواس) قام أبو عبيدة (رضي الله عنه) في الناس خطيباً فقال: أيها الناس، إنَّ هذا الوجع رحمةٌ بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة (رضي الله عنه) يسأل الله أن يقسم لأبي عبيدة حظَّه. فطُعن فمات، واستخلف على الناس معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، فقام خطيباً بعده فقال: أيّها الناس، وإنَّ هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإنَّ معاذاً يسأل الله تعالى أن يقسم لآل معاذ حظَّهم…” (40) .
وكان الصحابي الجليل عمران بن حصين (رضي الله عنه) مبعوث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لأهل البصرة ليفقههم في الدين تسلم عليه الملائكة وهو في مرضه الذي أقعده (41) .
ومن صور صبرهم (رضي الله عنهم) ورحمهم ما كان من صبرهم على فقد الأولاد والأقارب والأحباب، فعندما طعن عبد الرحمن بن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) بالطاعون والذي” كان يكنى به بكره وأحب الخلق إليه، فرجع معاذ (رضي الله عنه) من المسجد فوجده مكروباً. فقال: يا عبد الرحمن، كيف أنت؟ فاستجاب له فقال: يا أبه، الحق من ربك فلا تكن من الممترين فقال معاذ (رضي الله عنه): وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين. فأمسكه ليلته ثم دفنه من الغد. فأخذ بامرأتيه جميعاً فأراد أن يقرع بينهما أيهما تجيء قبل الأخرى فقال الحارث بن عميرة(رضي الله عنه) : جهزهما جميعاً أبا عبد الرحمن ونحفر لهما قبراً واحداً، فشق لإحداهما وألحد للأخرى” (42) .
وكذا عندما مات الخلفاء الراشدون (رضي الله عنهم) فعندما مات عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وجد المسلمون على ذلك وجداً شديداً ومنهم دعاة الصحابة المرتحلين للدعوة (رضي الله عنهم) فعندما ” بلغ ابن مسعود (رضي الله عنه) موته كان بمسجد الكوفة فطرح رداءه وقام يبكي ويقول إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر لقد كان فضل ما بين النقصان والزيادة وإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر لقد كان عمر إذا نحر الجزور أطعم ابن السبيل كبدها وسنامها ويكون العنق لآل عمر وإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر لو وضع في كفة ووضع الناس في كفة لرجح بهم عمر وإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر يا ليتني خادم لعمر وإذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر” (43) .
ومن صور صبر دعاة الرحلات والبعوث الدعوية من الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) ما كان من صبرهم على المضايقات التي يتعرضون لها من السلاطين والأمراء وغيرهم، فمن ذلك أنه ” لما ولي محمد بن يوسف اليمن قال: من أفضل من بها عندكم، قالوا: طاوس بن كيسان، فأرسل إليه فقال: إني أريد أن استعملك على هذه الصدقات التي تجبى، قال: ما أدخل في شيء من أمور الناس، قال: فأخرجوا عهده إلى صاحب الشرطة فإن قبله وإلا فليجلده مائة سوط ويحلق رأسه ولحيته ويحمله في محمل ليس تحته وطاء حتى يجاوز به العمل كله، قال: إفعل ما بدا لك فلما أخرج إلى صاحب الشرطة أتى زيد بن أسلم ومحمد بن المنكدر في جماعة من إخوانه فقالوا له: ما الذي تصنع فو الله لئن ضربك فمت من الضرب لا يصلي عليك منا أحد وما دعاك إلا إلى خير، فقال: أما إذ رأيتم لي في ذلك فقد قبلت فقبض على عهده، وخرج فكان فيما كان فيه، ثم قدم فقال ابن يوسف: أين جبايتك فقد بلغني أنه وصل إليك مال عظيم، قال: ذهب في وجوهه، قال: ومن أمرك بذلك، قال: الله ورسوله، قال: كم بقي معك، قال: ثلاثون دينارا لم أجد لها موضعا أرضاه، فقال ابن يوسف: لئن لم تحضرني بالمال كله غدوة لأرفعن خشبتك، فخرج فلما كان من الغد دخل عليه، فقال: ماذا أحضرت من المال، قال: قد أخبرتك أن المال ذهب في وجوهه، قال : وكم ذكرت أنه بقي معك، قال: ثلاثون دينارا لم أجد لها موضعا أرضاه فأنفذها فيه، فأمر به فأخرج ثم عاوده وكان من آثر الناس عنده” (44) .
لقد “علَّم النبي ﷺ أصحابه (رضي الله عنهم)كيف يصبرون في مختلف الأمور وضروبها، فقد علمهم الصبر من أجل هذا الدين، والتضحية في سبيله” (45) .
وصور صبر الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) في رحلاتهم، وبعوثهم الدعوية أكثر من أن تحصى فقد صبروا (رضي الله عنهم) ورحمهم على القتل، والتنكيل، والبطش، والإيذاء، والاستهزاء، والسخرية (46) ولم يكن ذلك مانعاً من مواصلة مسيرتهم الدعوية فكان ذلك من عوامل النجاح التي أثمرت خيراً كثيراً ولله الحمد من قبل وبعد.
* * *
الفرع الرابع
-
الحكمة والموعظة الحسنة
انتهاج الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة لأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة في تطبيقاتهم الدعوية من عوامل نجاح رحلاتهم وبعوثهم الدعوية فقد كان لذلك الأثر الواضح في نجاح مسيرتهم الدعوية فالدعوة “إلى الله بالحكمة للمستجيبين، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين.. حال أتباع المرسلين وورثة النبيين” (47) قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ﱠ (48) .
إن “التخلق بهذه الآية هو أن كل من يقوم مقاماً من مقامات الرسول ﷺ في إرشاد المسلمين أو سياستهم يجب عليه أن يكون سالكاً للطرائق الثلاث: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وإلا كان منصرفا عن الآداب الإسلامية، وغير خليق بما هو فيه من سياسة الأمة، و يخشى أن يعرض مصالح الأمة للتلف، فإصلاح الأمة يتطلب إبلاغ الحق إليها بهذه الوسائل الثلاث، والمجتمع الإسلامي لا يخلو عن متعنتٍ أو ملبسٍ، وكلاهما يلقي في طريق المصلحين شوك الشبه بقصد أو بغير قصد” (49) .
– من صور حكمة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية:
صور الحكمة في التطبيقات الدعوية للصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية كثيرة فمن ” الحكمة في منهج الدعوة : التدرج في الدعوة ، ومراعاة الأولويات فيها، والبدء بالأهـــــــم فما دونــــــــه، والعناية بالأصول قبــــــل الفــــروع ويدل علــــــى ذلك ما ثبت عن ابن عباس ــــــ رضي اللَّه عنهمــــــــا ــــــ قـــــال : قـــــال رسول اللَّه ﷺ لمعاذ بن جبـــــل(رضي الله عنه) حين بعثــــه إلى اليمن : (( إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُـــولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّــاكَ وَكَرَائــــِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّــقِ دَعْــوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ )) (50) .
ففي الدعوة كليات وجزئيات ، وواجبات ومستحبات ومحرمات ومكروهات، وقضايا كبرى وصغرى .. كل يجب أن تعرف مواقعها وتوضع في مواضعها” (51).
ومن صور الحكمة ما كان من الاعتناء “بصاحب السلطة في الدعوة، وأن استجابته ليست كاستجابة سائر الناس” (52).
لقد أظهر مصعب بن عمير (رضي الله عنه) في رحلته الدعوية هذه “إلى يثرب ليقوم بمهمة الدعوة والتعليم…عناية عظيمة بذوي المكانة من الأشراف والسادة في المجتمع المدني، فقد استفاد من أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) وهو من ذوي المكانة في قومه حيث نزل ضيفًا عليه، وأخذ يصطحبه في جولاته الدعوية ليقوم بمهمة تعريفه بذوي المكانة والشرف” (53).
” هذه الاستجابة العظيمة بفضل اللّه ثم بفضل مصعب بن عمير (رضي الله عنه)، فقد ضُرِبَ به المثل في حكمته وحُسن دعوته وصبره وحلمه ورفقه وأناته عند سماع التهديد من قبل أسيد وسعد (رضي الله عنهم) فأثر هذا الموقف الحكيم عليهما وأسلما، وأسلم ـــــ بفضل اللّه ـــــ ثم بإسلامهما هذا الجمع الغفير في يوم واحــد، فرضي اللّه عن مصعب، ورضي عن صاحبه أسعد ، فقد أنقذ الله بهما مدينة كاملة، وللّه الحمد والمنة ” (54).
ومن صور حكمة التابعين في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية ما روي من أن قاصا سأل التابعي الجليل محمد بن واسع(رضي الله عنهم)أحد المرتحلين إلى الدعوة، فقال: “ما لي أرى القلوب لا تخشع، والعيون لا تدمع ، والجلود لا تقشعر؟ فقال محمد: يا فلان ما أرى القوم أتوا إلا من قبلك، إن الذكر إذا خرج من القلب وقــــــع على القلب” (55) . لقـــــــد بين محمــــد بن واسع (رضي الله عنهم) بأسلوب حكيم ما يجب أن يكون عليه هذا الرجل من الإخلاص لله تعالى في وعظه وأن عليه أن يتحرى الصدق فيما يدعو إليه لأنه الكلمة الصادقة ومتى كانت من قلب صالح فإن الله ينفع بها ويكتب لها القبول .
-
التلطف وتخول الناس بالموعظة:
ومن صور حكمة دعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) في رحلاتهم الدعوية ما كان من التلطف في دعوة المذنبين فقد مر أبو الدرداء (رضي الله عنه) على رجل قد أصاب ذنبا ” وكانوا يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا : أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله ، فإذا تركه فهو أخي” (56).
وقال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): “إذا رأيتم أخاكم قارفا ذنبًا، فلا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه، تقولوا: اللهم أخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية، فإنا- أصحاب محمد ﷺ وسلم- كنَّا لا نقول في أحد شيئًا حتى نعلم علام يموت؟ فإن خُتم له بخير علمنا أن قد أصاب خيرًا، وإن خُتم بشرٍّ خفنا عليه” (57) .
“قال أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ : كان أصحاب ابن مسعود (رضي الله عنه) إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون : مهلا رحمكم الله “.. ودعي الحسن البصري (رضي الله عنهم)” إلى عرس فجيء بجام من فضة عليه خبيص أو طعام فتناوله فقلبه على رغيف فأصاب منه فقال رجل: هذا نهي في سكون” (58).
قال الحافظ ابن حجر ــ رحمه الله ــ : ” الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل، وكذا تعلم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط، وكانت عاقبته غالبا الازدياد، بخلاف ضده. والله تعالى أعلم” (59) .
ومن صور الحكمة في دعوة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة تخول الناس بالموعظة فعن أبي وائل قال: ” كان عبد الله (بن مسعود) (رضي الله عنه) يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أنـــــــك ذكرتنـــا كــــل يـــوم قـــــال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كــان النبي ﷺ يتخولنا بها مخافة السآمة علينا” (60).
وعن عكرمة (رضي الله عنه) أن ابن عباس ــــ رضي الله عنهما ــــ قال: “حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتـــين، فإن أكــــــثرت فثلاث مــــرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، إياك والسجع في الدعاء فإني عهدت رسول الله ﷺ وأصحابه لا يفعلون ذلك” (61) .
وقال: ابن مسعود (رضي الله عنه)إن “للقلوب شهوة وإقبالا وفترة وإدبارا، فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها” (62).
إن ” الناس متباينون في طبائعهم، مختلفون في (مداركهم) في العلم والذكاء، في الأمزجة والمشاعر، مختلفون في الميول والاتجاهات . مما يدعو رجل العلم والدعوة إلى تخير المدخل .. بل المداخل المناسبة لتلك النفوس المختلفة والعقول المتباينة” (63).
وهذا ما كان من الداعية الرحالة عبدالله بن عباس ــــ رضي الله عنهما ــــ عندما خرج للخوارج ناصحاً وداعياً إلى الله ففي هذه المناظرة تجلت حكمته (رضي الله عنه) وتلطفه معهم بالقول، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة (64).
ومن صور الحكمة في دعوة المبعوثين للدعوة ما كان من وصية الرسول ﷺ الجامعة النافعة لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري ـــــ رضي الله عنهما ــــــ حين أرسلهمـــــا إلى اليمـــن : وقال : (( يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا…)) (65).
وعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال : ” كان رسول الله إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: ((بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا)) (66).
ففي” هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه ، وجزيل عطائه وسعة رحمتـــه، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنــــواع الوعيد محضــة من غير ضمها إلى التبشير” (67) .
لقد كانت الحكمة في دعوة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) في بعوثهم ورحلاتهم الدعوية أحد عوامل نجاح مسيرتهم الدعوية فرضي الله عنهم ورحمهم وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجـــــــزاء.
* * *
الفرع الخامس
– القدوة الحسنة
من عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) ما كان من اقــتران أقوالهــم بأفعالهــم فكانــــــوا قــــــــدوة حسنـــة للمدعويــن ومـــــن تبعهـــم بإحســـان قـــــال الرازي ــــ رحمه الله ــــ : ” فأما أصحاب رسول الله ﷺ فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيِه ﷺ، ونُصرته وإقامة دينه وإظهار حقِّه، فرضيهم لــــــه صحابةً، وجعلهــــــم لنا أعلامًا وقدوة، فحفِظوا عنــه ﷺ ما بلَّغهم عن الله ـــ عز وجـــــــل ـــ، وما سنَّ وشرع، وحكم وقضى، وندب وأمر، ونَهى وحظر، وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا فِي الدِّين، وعَلِموا أمرَ الله ونَهيه ومراده؛ بِمعاينة رسول الله ﷺ ومشاهدتِهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه، واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله بِما مَنَّ عليهم وأكرمهم به، من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشكَّ والكذبَ، والغلط والريبة والغمز، … فكانوا عدولَ الأمَّة، وأئمة الْهُدى، وحُججَ الدين، ونقلة الكتاب والسنة” (68).
ونظراً لأهمية القدوة في شرعنا الحنيف فقــد أمـــر الله جــــــــــــل في عـــــــلاه نبيـــه ﷺ أن يهتدي بمن سبقه من الرسل عليهم الصـــلاة والسلام فقـــال سبحانــــه : ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ﴾ (69) .
وكان النبي ﷺ قدوة للمسلمين فأمر الله تبارك وتعالى أن يتخذه ﷺ المؤمنون قدوة فقال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (70).
” ولئن انتقل رسول الله ﷺ إلى جوار ربه فإن سيرته التي تحتوي على جزئيات سلوكه ماثلة لنا، فيما أثر عنه ﷺ من قول أو فعل أو صفة أو إقرار. وفيما بلغنا من تراجم أصحابه ﷺ ما يكفي لتجسد القدوة الحسنة للمجتمع المسلم” (71).
” إن القدوة الحسنة لهي من أنجح وسائل الاستجابة للخير، فإذا كان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قدوة حسنة لمن يأمرهم وينهاهم، أي يتعاطى ما يأمرهم به، ويجتنب ما ينهاهم عنه، ويتجافى عن مواطن الشبهات، فإن الناس يكونون أكثر استجابة له، لما يرون في سلوكه من فعل الخير الذي يأمر به، وترك الشر الذي ينهى عنه، وبذلك يظهر صدقه، لمطابقة فعلِه قولَه” (72) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ ” فإن الإنسان فيه داع يدعوه إلى الإيمان والعلم، والصدق والعدل، وأداء الأمانة، فإذا وجد من يعمل مثل ذلك صار له داع آخر، لا سيما إذا كان نظيره، لا سيما مع المنافسة، وهذا محمود حسن، فإن وجد من يحب موافقته على ذلك ومشاركته له من المؤمنين والصالحين ويبغضه إذا لم يفعل، صار له داع ثالث، فإذا أمروه بذلك ووالوه على ذلك وعادوه وعاقبوه على تركه صار له داع رابع” (73).
– من صور خشية الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة من الله وحثهم عليها:
كان الصحابة والتابعون (رضي الله عنهم) المرتحلون للدعوة من الداعين إلى الخشية من الله تعالى كما أنهم كانوا من الممتثلين لذلك ففي الحديث الذي رواه أنس (رضي الله عنه) قال : خطب رسول الله ﷺ خطبة ما سمعت مثلها قط قال : ((لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ… )) (74).
وبكى مبعوث رسول الله ﷺ إلى اليمن ونزيل الشام وفقيهها معاذ (رضي الله عنه) بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون .
وكان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) المرتحل للكوفة يبكي بكاءً شديداً، فقيــــل له: ” ما بكاؤك ؟ فقال : لا أدري على ما أقدم، أعلى رضا أم على سخط ؟ “.
وقال سعد بن الأخرم”: كنت أمشي مع ابن مسعود (رضي الله عنه) فمَّر بالحدَّادين وقد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي” (75).
وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: “دخل سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) على سلمان (رضي الله عنه) (الفارسي) يعوده فبكى سلمان، فقال له سعد (رضي الله عنه): ما بيكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله ﷺ وهو عنك راض وترد عليه الحوض، قال: فقال: سلمان (رضي الله عنه) أما إني ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله ﷺ عهد الينا فقال: لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الاساود، وإنما حوله أجانة أو جفنة أو مطهرة، قال: فقال له سعد : يا أبا عبد الله إعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند حكمك إذا حكمت وعند بذلك إذا قسمت” (76) .
وخطب أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) مرة الناس بالبصرة : “أيها الناس، إبكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أجري فيها السفن لسارت” (77) .
وعن أبي رجاء العطاردي (رضي الله عنه) قال : “كان هذا المكان من ابن عباس (رضي الله عنه) مثل الشراك البالي من الدموع” (78) .
وكان الحسن البصري (رضي الله عنه) إذا حدث بحديث حنين الخشبة التي نزل عنها رسول الله ﷺ لما كثر عليه الناس وأمر أن يبنوا له منبرا يبكي ويقول: يا عباد الله ، الخشبة تحن إلى رسول الله ﷺ شوقا إليه ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه (79).
– زهد، وورع الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة وحثهم على ذلك:
تعد صفتا الزهد والورع من صفات الدعاة الحقيقين الذين عرفوا مئال هذه الدنيا وما فيها فلم ينافسوها أصحابها ولم يغالبوهم على النيل من حطامها، وعلى هذا فقد اتصف الصحابة والتابعون (رضي الله عنهم) المرتحلون للدعوة بصفتي الزهد والورع فكانوا بهذا قدوة حسنة، قيل للحسن البصري (رضي الله عنه): أخبرنا عن صفة أصحاب رسول الله ﷺ فبكى وقال: “ظهرت منهم علامات الخير في السيما والسمت والهدى والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين رضى الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا في جور، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم” (80).
ومما ذكر في زهد وورع الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية ما جاء عن
عن الخليفة الزاهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أحد أبرز المرتحلين والمؤثرين في سير الرحلات الدعوية من مواقف عجيبة في ذلك فمن ذلك ما كان في رحلته الدعوية لفتح بيت المقدس فبعد أن سار من الجابية (81). مع بعض قادته وقد كان (رضي الله عنه) في مسيرته هذه غاية في التواضع والتذلل لله، قال أبو الغادية المزني(رضي الله عنه):” قدم علينا عمر الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، وطاؤه فرو كبش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شملة أو نمرة محشوة ليفا وهي وسادته، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جيبه” (82).
” وكان أبـــــــو موســـــــــى (رضي الله عنه) يتوخى اليوم الحار الشديد الذي يكاد ينسلخ فيه الإنسان، فيصومه، تقربا إلى الله” وكان (رضي الله عنه) يقول: “إنما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم، وهما مهلكاكم” (83).
وعن أبي بردة بن أبي موسى قال : “حدثتني أمي قالت : خرج أبو موسى حين نزع عن البصرة، وما معه إلا ستمائة درهم عطاء عياله” (84).
وعن رجاء بن حيوة قال : ” جمع أبو الدرداء (رضي الله عنه)أهل دمشق فقال : اسمعوا من أخ لكم ناصح : أتجمعون ما لا تأكلون، وتؤملون ما لا تدركون ، وتبنون ما لا تسكنون، أين الذين كانوا من قبلكم ، فجمعوا كثيرا وأملوا بعيدا وبنوا شديدا ، فأصبح جمعهم بورا، وأصبح أملهم غرورا، وأصبحت ديارهم قبورا” (85).
وعن عون بن عبد الله (رضي الله عنهم) قال: “سألت أم الدرداء (رضي الله عنه): ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ فقالت : التفكر والاعتبار” (86).
وقال التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني المرتحل إلى الشام (رضي الله عنهم): ” أرأيتم نفسا إن أنا أكرمتها ونعمتها ووعدتها ذمتني غدا عند الله . قالــــوا : مـــن تلك يا أبا مسلم ؟ قال : تيكم نفسي” (87).
– حال الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة مع قيام الليل وحثهم عليه:
قيام الليل هو زاد الدعاة والمصلحين ولذا كان الصحابة والتابعون المرتحلون للدعوة(رضي الله عنهم) يقومون الليل ويحثون عليه قال عبد الله بن أبي مليكة ــــ رحمه الله ــــ : “سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، فكان يقوم شطر الليل” (88).
وذكر أحد الثقاة الذين صاحبوا أبا موسى (رضي الله عنه) في سفره ، فقال : “كنا مع أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)في سفر، فآوانا الليل إلى بستان حرث فنزلنا فيه، فقام أبو موسى (رضي الله عنه) من الليل يصلى- وذكر من حسن صوته ومن حسن قراءته- ثم قال : وجعل لا يمر بشيء إلا قاله ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وأنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت الصادق تحب الصادق” (89).
وكان الصحابي الجليل شداد بن أوس (رضي الله عنه) إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة قمح على مقلى ثم يقول : ” اللهم إن النار قد منعتني النوم : ثم يقوم إلى الصلاة” (90).
“وكان طاوس (رضي الله عنهم) يفترش فراشه ثم يضطجع عليه فيتقلى كما تقلى الحبة على المقلى ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول : طير ذكر جهنم نوم العابدين” (91) .
قال شرحبيل بن مسلم الخولاني:” أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله يطلبانه، فقال بعض أهله : هو في المسجد، فأتيا المسجد، فوجداه يركع فنظرا انصرافه، فنظر أحدهما فأحصى أنه ركع ثلاث مائة ركعة، والآخر أربع مائة ركعة قبل أن ينصرف، فقالا له : يا أبا مسلم إنا كنا قعود خلفك ننظرك . فقال : أما إني لو علمت مكانكما لانصرفت إليكما، وما كان لكما أن تحفظا علي صلاتي، وأقسم لكما بالله إن خير كثرة السجود ليوم القيامة” (92).
* * *
الفرع السادس
-
مراعاة أحوال المدعوين
من عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) ما كان من مراعاة أحوال المدعوين فمما ” لا شك فيه، أن الله فطر الناس على صفات متفاوتة، وسجايا متنوعة، وإدراكات متباينة. فمنهم صاحب الحس المرهف، والطبع الرقيق، الذي يتأثر بالعاطفة، ويستجيب للموعظة، ومنهم العقلاني ذو التفكير، الذي يناسبه الطرح العقلي، والاستدلالات الرياضية، ومنهم الذي يؤخذ بالترغيب، ومنهم الذي يتأثر بالترهيب، ومنهم المسالم المنصت، ومنهم المجادل العنيد، ومنهم المتعالم، ومنهم المتجاهل، ومنهم القوي، ومنهم الضعيف، وقد يكون لبعضهم ظروف مؤقتة، تمنعه من الإدراك، وتحول دونه ودون الاستجابة، كمصيبة مفاجئة، أو خسارة فادحة، أو حالة نفسية معينة، ومما لا شك فيه أن مُقتضى الحكمة، ونفع الخطاب. أن تُراعى هذه الطباع، وأن يُهْتَمَّ بخطاب كل صنف بما يناسبه، في إطار الشرع الحنيف” (93) .” لذلك أوصانا الداعية القدوة ﷺ بمراعاة أحوال المدعوين في كل المجالات” (94).
وكل من تأمل “سنة نبينا ﷺ وسيرته رأى أن خطابه ﷺ يختلف باختلاف المخاطبين وأحوالهم وبيئاتهم وطرائق تفكيرهم ، كل وما يناسبه وينفعه ، وقد استفاد من هذا الهدي الصحابة (رضي الله عنهم)” (95).
“إن البصيرة هي أعلى درجات العلم التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه الخصيصة قد اختص بها الصحابة (رضي الله عنهم) عن سائر الأمة ثم سار عليها الذين اتبعوهم بإحسان، وهي أعلى درجات العلماء” (96).
” فمعرفة أحوال الناس من الأمور الضرورية للداعية…فالدعاة إلى الله هم أطباء المجتمع، ومن شأن الطبيب أن يهتم بمعرفة الأدواء، ثم يعمل على علاجها بادئًا بالأهم قبل المهم، إذا من الضروري جدا للداعية معرفة أحوال الناس، وما هم عليه من عادات وتقاليد، وما لديهم من إيجابيات وسلبيات حتى يتمكن الداعية من تنمية الإيجابيات وتطويرها ورعايتها، والقضاء على السلبيات إن أمكن أو الحد منها على الأقل والوقوف في طريقها، ومنعها من الانتشار في المجتمع؛ لأنها إن تركت فهي كالنار في الهشيم، فإذا عرف الداعية أحوال البلد تمكن بعد ذلك من العمل بجد وإخلاص” (97) .
– مراعاة الشدة واللين في تعامل الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة مع المخاطبين:
” مما تقتضيه مراعاة أحوال المخاطبين حرص الداعي على استخدام ما يتناسب معهم من اللين والشدة، فهناك أناس لا تزيدهم الشدة إلا بعدا، ولا تنتج القسوة معهم إلا نفورا وإعراضا، وهناك آخرون لا يزيدهم اللين إلا طغيانا، ولا يثمر الرفق معهم إلا عصيانا، فيجب على الداعية مراعاة حال هؤلاء وأولئك، فيستخدم مع كل صنف من اللين أو الشدة، ما يرجى ـــ بفضل الله ـــ من ورائه نجاح الدعوة وقوة تأثيرها وفلاحها” (98).
فمن صور مراعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة لأحوال المدعوين في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية ما كان من شدة المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) مبعوث سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) لدعوة رستم قائد جيش الفرس نظراً لما رآه المغيرة من تعالي رستم وتكبره فعندما أقبل إليهم ” والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبسطهم على غلوة لا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليهم غلوة، وأقبل المغيرة (رضي الله عنه) وله أربع ضفائر يمشي، حتى جلس معه على سريره ووسادته ، فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوه ومغثوه ، فقال : كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوما أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضا إلا أن يكون محاربا لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعـــض، وأن هــــذا الأمـــر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل وأنكم مغلوبون، وأن ملكا لا يقوم على هذه السيرة، ولا على هذه العقول”. لقد ناسب أن يظهر المغيرة (رضي الله عنه) هذا الأسلوب لما رآه من تكبرهم وتعاليهم وهذا ظاهر في رد رستم على المغيرة عندما قال له : ” لم نزل متمكنين في البلاد، ظاهرين على الأعداء، أشرافا في الأمم، فليس لأحد من الملوك مثل عزنا وشرفنا وسلطاننا، ننصر على الناس ولا ينصرون علينا إلا اليوم واليومين أو الشهر والشهرين للذنوب ، فإذا انتقم الله فرضي رد إلينا عزنا، وجمعنا لعدونا شر يوم هو آت عليهم، ثم إنه لم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرا منكم، كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة، لا نراكم شيئا ولا نعدكم، وكنتم إذا قحطت أرضكم وأصابتكم السنة، استغثتم بناحية أرضنا، فنأمر لكم بالسيئ من التمر والشعير ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم ، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم ، وآمر لكل رجل منكم بوقر تمر وبثوبين وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم”.
فكان رد المغيرة (رضي الله عنه) بأشد من قوله الأول وقول رستم حيث قال (رضي الله عنه) : ” إن الله خالق كل شيء ورازقه، فمن صنع شيئا فإنما هو يصنعه والذي له، وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء ، والتمكن في البلاد، وعظم السلطان في الدنيا ، فنحن نعرفه ولسنا ننكره ، فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم ، وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال، وضيق المعيشة ، واختلاف القلوب، فنحن نعرفه ولسنا ننكره ، والله ابتلانا بذلك وصيرنا إليه، والدنيا دول، ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه، ولم يزل أهل رخائها يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ويصيروا إليها ، ولو كنتم فيما آتاكم الله ذوي شكر، كان شكركم يقصر عما أوتيتم، وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال ، ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر ، كان عظيم ما تتابع علينا مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا ، ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه ، أو كنتم تعرفوننا به، إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولا ثم ذكر مثل الكلام الأول، حتى انتهى إلى قوله : وإن احتجت إلينا أن نمنعك فكن لنا عبدا تؤدي الجزية عن يد وأنت صاغر، وإلا فالسيف إن أبيت” (99).
– مراعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة لإنزال الناس منازلهم :
كان الصحابة والتابعون (رضي الله عنهم) المرتحلون للدعوة يراعون في دعوتهم أحوال الملأ وهم ” أشراف القوم وقادتهم ورؤساؤهم وساداتهم فهم إذن البارزون في المجتمع وأصحاب النفوذ فيه الذين يعتبرهم الناس أشرافاً وسادة، أو يعتبرون حسب مفاهيم المجتمع وقيمه أشراف المجتمع وسادته، ومن ثم يستحقون – في عرف الناس – قيادة المجتمع والزعامة والرئاسة فيه” (100).
وكان من هدي النبي ﷺ إنزال الناس منازلهم قالت عائشة ــــ رضي الله عنها ــــ : “أمرنا رسول الله ﷺ أن ننزل الناس منازلهم” (101)
وقد راعى النبي ﷺ ذلك في بعوثه إلى الملوك والعظماء فقال ﷺ على سبيل المثال لا الحصر (( مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ )) (102)
لقد صيغت كتب النبي ﷺ إلى الملوك والرؤساء ” بمنتهى الحكمة والبراعة فالرسول ﷺ فيها سمح يدعو ولا يهدد، يخاطب الملوك والرؤساء بألقابهم ويعترف بمكانتهم ويقرر أن سلطانهم في ظل الإسلام باق لهم، وهو بذلك يؤكد أنه ليس طالب ملك، ثم هو يذكر أن هناك زكاة في أموال الأغنياء ولكنه يؤكد أن الزكوات والصدقات لا تحل لمحمد ولا آل محمد، وإنما تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقرائهم، وهو بهذا يؤكد أنه ليس طالب مال… كان ﷺ يخاطب كل ملك حسب ظروفه، فإن كان من أهل الكتاب أشار إلى ما بين الأديان السماوية من روابط، وإذا كان من غيرهم أشار إلى التزام البشرية بالعودة إلى الله وترك عبادة ما سواه… وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء” (103)
ومن نماذج مراعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية لذوي المكانة والرؤساء لما في ذلك من أثر إقبال المدعوين ما كان من سليط بن عمرو العامري (رضي الله عنه) مبعوث رسول الله ﷺ لدعوة هوذة بن علي الحنفي أحد رؤساء اليمامة وكان كسرى قد توجه فقال له سليط: يا هوذة ..إنما السيد من منع بالإيمان ثم زود التقوى وإن قوما سعدوا برأيك فلا تشق به وإني آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شر منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان فإن في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار فإن قبلت نلت ما رجوت وأمنت ما خفت وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهول المطلع فقال هوذة : يا سليط سودني من لو سودك شرفت به وقد كان لي رأي اختبر به الأمور ففقدته فموضعه من قلبي هواء فاجعل لي فسحة يرجع إلي رأيي فأجيبك به إن شاء الله.
لقد راعي الصحابي الجليل سليط بن عمرو العامري (رضي الله عنه) مكانة هوذة الحنفي فخاطبه بخطاب رقيق ذكر فيه بمكانته وثقة قومه فيه وأن السيادة الحقيقة لا تكون إلا في الإيمان بالله ثم التسلح بتقواه (104).
– من صور مراعاة أحوال العامة:
إن ” الداعية الحكيم هو الذي يدرس الواقع، وأحوال الناس، ومعتقداتهم، وينزل الناس منازلهم، ثم يدعوهم على قدر عقولهم وأفهامهم وطبائعهم وأخلاقهم ومستواهم العلمي والاجتماعي، والوسائل التي يؤتون من جهتها” (105)
قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) المرتحل للكوفة: “ما أنت بمحدث قوم حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة” (106).
ففي رحلة معاذ بن جبل (رضي الله عنه) الدعوية إلى اليمن كان الرسول ﷺ راعى حال مدعويها عندما قال له ﷺ : (( إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)) (107).
” لقد كان إبراز هذه الرحلة الإيمانية والمهمة الدعوية التعليمية؛ وتوضيح التكليف الشريف من صاحب الدعوة محمد ﷺ، لأحد أصحابه أمراً واجباً تتلّمس من خلال أحداثه طريق فقه دعوي وممارسة ميدانية طرفاها رسول الله ﷺ، ورسولـه إلى اليمن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) . إن تلك القبسات تمثل علامات في الطريق في كل دور دعوي لأنها تمت بنجاح ، وقام منفذها بدوره فيها خير قيام، فكان هذا الجهد البياني لهذه الرحلة المباركة إلى أرض الإيمـــان اليمــــن الميمون” (108).
ومن صور مراعاة أحوال المدعوين في الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) ما كان من مراعاة الرسول ﷺ لطبائع نفوس وفد عبد قيس فعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إلى أَهَالِينَا قَالَ: ((ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)) (109).
وهذا يدل على رفقة النبي ﷺ ورحمته بالمدعوين ومراعاة أحوالهم النفسية فقد أدرك ﷺ مدى شوقهم لأهليهم فكان أن بادرهم بذلك ﷺ قبل أن يطلبوه منه فوصفوه بالرحمة والرفق، ثم بين ﷺ مهمتهم الدعوية في رحلتهم هذه وهي تعليم أقوامهم ما تعلموه منه ﷺ ومن نماذج مراعاة أحوال ذوي القربى ما كان من الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي (رضي الله عنه) في رحلته الدعوية لقومه عندما قال لأبيه :”… إليك عني، فلست منك ولست منــي. قــــال : وما ذاك؟ قلت : إني أسلمت واتبعت دين محمد. فقال : أي بني، ديني دينك، وكـذلك أمــــي، فأسلما…” (110).
ومن صور مراعاة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة لأحوال العامة ما كان من دعوة سعد بن معاذ (رضي الله عنه) لقومه عندما قال:” يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا فضلا، وأيمننا نقيبة. قال : فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله . قال: فو الله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا” (111).
ومن ذلك ما كان من مبعوث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لأهل الكوفة معلماً ومفقهاً الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) عندما خرج أناس من أهل الكوفة إلى الجبانة يتعبدون واتخذوا مسجدا وبنوا بنيانا فأتاهم (رضي الله عنه) فقالوا: “مرحبا بك يا أبا عبدالرحمن لقد سرنا أن تزورنا قال: ما أتيتكم زائرا ولست بالذي أترك حتى يهدم مسجد الجبان إنكم لأهدى من أصحاب رسول الله ﷺ ؟! أرأيتم لو أن الناس صنعوا كما صنعتم من كان يجاهد العدو ومن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن كان يقيم الحدود ارجعوا فتعلموا ممن هو أعلم منكم وعلموا من أنتم أعلم منهم” قال الشعبي ـــــ رحمه الله ـــــ: واسترجع فما برح حتى قلع أبنيتهم وردهم” (112).
ومن ذلك ما جاء عن أبي قلابة قال: “جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال:” إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة أصلي كيف رأيت النبي ﷺ يصلي. فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي قال: مثل شيخنا هذا. قال: وكان شيخاً يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولـــى” (113).
” وما صنعه عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) من العناية بتعليم أهل البادية السنة ودعوتهم إلى الخير يجب أن يتعلم منه القائمون على أمر الدعوة في عالمنا الإسلامي، فيهتموا بأهل البوادي والقرى والمواطن النائية، وذلك ببعث الدُعاة إلى الله، ليقيموا مع هؤلاء ويبصروهم بدين الله، فإن في هذا تقوية للدين وصيانة للأمة، ولاسيما وأن أهل تلك المواطن ما زالوا بعيدين عن كثير من المؤثرات الحديثة التي تعكر الفطرة وتلوث الأخلاق، فلا ينقص هؤلاء أصحاب الفطرة السليمة إلا العلم الشرعي الصحيح الذي يجعلهم معتزين بدينهم ويعتز بهم دينهم” (114).
ومن صور مراعاة أحوال المدعوين من الأعداء ما كان من الصحابيين أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) و قيس بن سعد بن عبادة (رضي الله عنه) مبعوثي علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لدعوة الخوارج (115) .
وجدير بمن لازم العلماء بالفعل أو العلم أن يتصف بما اتصفوا به، وهكذا من أمعن النظر في سيرتهم أفاد منهم وهكذا كان شأن السلف الصالح، فأول ذلك ملازمة الصحابة لرسول الله ﷺ، وأخذهم بأقواله وأفعاله، واعتمادهم على ما يرد منه، كائنًا ما كان، وعلى أي وجه صدر… وإنما ذلك بكـــــثرة الملازمــــة، وشدة المثابـــــرة … وصار مثــــــل ذلك أصلًا لمن بعدهــــم؛ فالــتزم التابعــــون سيرة الصحابــــة مع النبي ﷺ ففقهــــــوا ، ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية، والأخلاق العلية (116).
* * *
المطلب الثاني
عوامل النجاح المساندة
الفرع الأول : العوامـــــــل السياسية.
الفرع الثانـــي: المكانة الاجتماعية.
الفرع الأول
- العوامل السياسية
من عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) العوامل السياسية وذلك بسبب ما تهيأ لها من دعم ورعاية من القائد الأول ﷺ وذلك في حياته ﷺ، وبعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى سار الخلفاء الراشدون (رضي الله عنهم) على طريقته، وعملوا بسنته في دعم، ورعاية هذه الرحلات والبعوث الدعوية، وكذا الأمر في الدولة الأموية التي كان عصرها ضمن القرون المفضلة لهذه الأمة.
فمن خصائص هذه الدعوة المباركة عالميتها وقد ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في كثير من الآيات منها قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (117) . وقال سبحانه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (118).
كما دلت السنة المطهرة على شمولية هذه الرسالة الخاتمة فعن جابر بن عبدالله ــــــ رضي الله عنهما ــــ قال: قال رسول الله ﷺ: ((… وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً )) (119).
“ثم إنه ليكفي في الدلالة على عالمية الإسلام أن دعوته لا توجه إلى جنس من الأجناس، ولا، إلى قومية من القوميات، وإنما توجه دعوته إلى الناس كافة ولذلك لم يؤثـــر ورود الخطـــاب بـــــ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ﱠ .. الخطاب المشـــير إلى العمـــوم .. في القرآن الكريم إلا علـــى لســان خاتم الأنبيــــاء .. قـــال تعالى مخاطبـــاً محمـــداً ﷺـ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ﱠ (120).
وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ﱠ (121).
“ومن هنا فإن اختصاص خاتم الأنبياء بهذا النداء بين سائر الرسل ليدل دلالة واضحة على عالمية الدعوة الإسلامية ومن ثم لا يكون هناك أدنى غرابة في اتصاف الثقافة النابعة من هذه الدعوة بالأصالة والرسوخ والدوام والاستمرار” (122).
وفيما يلي سيستعرض الباحث كيف كانت العوامل السياسية أحد عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) وذلك في عصر النبي ﷺ وعصر الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم) وعصر الدولة الأموية:
– عصر النبي ﷺ :
بعد رجوع الرسول ﷺ ” من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وكتب إليهم كتبا فقيل يا رسول الله إن الملوك لا يقرأون كتابا إلا مختوما فاتخذ رسول الله ﷺ يومئذ خاتما من فضة فصه منه نقشه ثلاثة أسطر محمد رسول الله وختم به الكتب فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم” (123).
و” نجد أن الرسول ﷺ بعث البعوث وأرسل الوفود لرؤساء الحكومات في ذلك العصر، وفي الوقت نفسه استقبل مبعوثين من الحكام الآخرين” (124) .
وكان ﷺ يحرص أن تتوفر ” في كل رسول من رسله الصفات المطلوبة من الجسامة والوسامة وتمام العقل وحدة الذكاء وسرعة الفطنة، حتى لا تقتحمه العيون ولا تزدريه الأنظار وليحظى بالمنزلة الرفيعة لدى المرسل إليهم” (125).
“وكان ﷺ يرغب في سفرائه أن يكونوا على علم ومعرفة بأهل البلاد وبطبائعهم وعاداتهم، فقد أرسل عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى . وفي كتب السير ما يشير إلى أن عبدالله هذا كان قبل أن يبعثه رسول ﷺ بهذه المهمة يكثر الترداد على كسرى، وكان أيضاً مـــن المهاجرين إلى الحبشة ، فكأنه ﷺ اختاره لكثرة أسفاره وترداده على كسرى ، فلا بد أن هذه الأسفار أكسبته خبرة وممكنة ودراية في الأمور وبطبائع الناس خارج الجزيرة العربية” (126).
” وقد كانت الرسائل عملا ، دقيقًا، حسنًا، فبلغت الإسلام، وخاطبت الأمم والملوك بالحسنى، واشتملت على الحقائق التالية:
أولا : وجهت الرسائل إلى الملوك والأمراء فهم قادة الناس، ورعيتهم على دينهم، قد تضمنت الرسائل ما يفيد مسؤولية الملوك عن رعاياهم ومن ذلك: “فإنما عليك إثم المجوس”، “عليك إثم الإريسيين”، “فإنما عليك إثم النصارى”، “فإنما عليك إثم القبط” “عليك إثم الأكاريين” وبذلك تعد هذه الرسائل تبليغًا لعالمية الإسلام بصورة عملية.
ثانيًا : كانت الرسائل تتناسب مع المرسل إليهم لهجة، وأسلوبًا، واستدلالا ولذلك كانت تتكلم عن المسيح والكتاب إذ كان الملك من أهل الكتاب، وتتكلم عن مساوئ الكفر والضلال إذا كان الملك كافرًا كالمجوس.
ثالثًا : كانت الرسائل واضحة في موضوعها فهي كلها تدعو إلى التوحيد، وطاعة الله، وتتضمن الإنذار والتبشير، وتربط دوام الملك بالإيمان، وتخوف من زوال الملك حين الاستمرار على الكفــر والمعصية” (127).
“لقد كان هدف السفارات النبوية هو الدعوة إلى اعتناق الإسلام فكان سفراء النبي ﷺ الذين أرسلهم إلى الملوك والأمراء في زمانه دعاة إلى الإسلام ، ولكنهم كانوا صفوة الدعاة، لأن إسلام ملك أو أمير يؤثر تأثيرا عظيما في أتباعه، لذلك كان سفراء النبي ﷺ هم صفوة الدعاة المسلمين من الصحابة ، فإذا كان الدعاة هم صفوة الصحابة، فإن السفراء النبويين هم صفوة الصفوة في سماتهم الخاصة التي تؤهلهم للنهوض بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والكياسة والمزايا الأخرى التي ترد تفاصيلها وشيكا” (128).
“وحين ننظر إلى أعمال هؤلاء السفراء وأقوالهم ندرك دورهم في الدعوة إلى الله تعالى، ونعلم بيقين أن هؤلاء السفراء لم يكونوا رجالا عاديين، وأنهم تميزوا بعدة صفات أهمها:
- الفهم الدقيق للإسلام، وإحاطتهم التامة بكل ما نزل من القرآن الكريم وبكل ما حدث بــــــــهﷺ .
- خبرتهم الواسعة بالجهات التي ذهبوا إليها، وبالناس الذين تحدثوا معهم، لذلك كانوا يتكلمون معهم، ويناقشونهم في عقائدهم حديث الخبير الذي يعرف حقائق الشيء ظاهرًا وباطنًا ويدرك حاجته، ومراميه.
- تحليهم بحسن الخلق، والصبر الجميل ومراعاة حق مخاطبيهم في الفهم والمعرفة ولذلك كانوا يشرحون، ويوضحون ويجيبون عن أي تساؤل يوجه إليهم.
- اتصافهم بسرعة مواجهة المواقف المفاجئة، وحسن الحيلة، وبذلك تخلصوا من الانفعال والعصبية، وتمكنوا من تحقيق الغاية التي ذهبوا إليها.
- تمتعهم بحسن الفهم، وحسن الخطاب، وحسن العرض، ولذلك كانوا يتكلمون مع من يحادثهم في مسائل هامة، في بداهة عالية، وهدوء رصين، ودقة ملتزمة بتعاليم الإسلام، وصدقهم في الاعتقاد.
- شجاعتهم الشخصية النابعة من ثقتهم في الله، واعتزازهم بالانتساب إليه جعلهم يؤكدون صدق الإسلام وإن خالف ما عليه الناس ويناقشون الملوك والرؤساء وهم فرادى.. إن هذه الصفات جعلتهم سفراء لله ورسوله، حين تحدثوا مع من أرسلوا إليهم” (129).
من هذا كله يتبين كيف كانت رعاية الرسول ﷺ لهذه الرحلات والبعوث الدعوية والتي كانت أحد عوامل نجاحها فقد اعتنى ﷺ بهؤلاء الرسل بصفة خاصة وبالصحابة (رضي الله عنهم) بصفة عامة، ” ورباهم بحكمته، وغرس فِي قلوبهم العقيدة القويمة وصاغ منهم صوراً حية للقرآن، ونماذج للإسلام، فقويت هذه القلة بعد ضعف، وكثرت بعد قلَّة، ونصرها الله يوم نصرته، وحقق آمالها لما صبرت فانطلقت تنشر الإسلام فِي أرجاء الأرض، وتحطم عروش الجاهلية ومعتقداتها حتى أتم الله لهم ومكنهم فِي الأرض فانتشروا في شَـــــــرق الأرض وغربهــــــا، وفتحـــوا أقوى الممالك على وَجه الأرض في ذلك الوقت، وبلغوا رسالة رَبهم إلى أرجاء المعمورة في فترة وجيزة” (130).
– عصر الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم):
تتابعت العناية بالرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) في عصر الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم) بل حظيت بإشرافهم المباشر فكان ذلك أحد عوامل النجاح التي تحققت لهذه الرحلات والبعوث الدعوية فعهد ” الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم) (11-40 هـ) هو أفضل عهود الدعوة الإسلامية بعد عهد النبوة، فقد نهلوا من مدرسة القرآن الكريم، مدرسة النبوة، فاتضحت لهم مهمتهم في تبليغ الدعوة، فكانـــوا الأسوة الحسنة للدعاة إلى الله بعد رسول الله ﷺ وطريقتهم حجة” (131) .
” حيث اختص ذلك العصر بفتوحات عظيمة اقتضت من الولاة العمل على نشر الدين في البلاد المفتوحة مستعينين بمن معهم من الصحابة(رضي الله عنهم)، وقد كان الولاة يقومون بهذه المهمة مع وجود من يساعدهم في بداية الفتوح .. ثم بدأت الأمصار تعتمد على معلمين وفقهاء قدموا لهذه المهمة بعد التوسع وبناء الأمصار ..وذلك لكثرة السكان في الأمصار وكثرة طلاب العلم.. وتوسع الولايات” (132) .
فعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لم يكتف بجهود ولاة الأمصار في نشر التعليم، بل دعمها بالعلماء الذين كان يرسلهم من المدينة، محملين بوصاياه (133) .
فمن ذلك ما رواه قرظة بن الكعب (رضي الله عنه) ” أنه لما أراد الذهاب مع عدد من أصحابه إلى الكوفة شيعهم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقال: ” إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن، و أقلوا الرواية عن رسول اللهﷺ…” (134) .
ومن الرعاية السياسية التي لاقتها رحلات وبعوث الصحابة (رضي الله عنهم) والتابعين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) والتي كانت أحد عوامل نجاحها ما كان من رعايته (رضي الله عنه) لحلقات العلم التي كانت تعقد في كثير من الأمصار (135) .
وتخصيص أعطيات للقراء من بيت مال المسلمين. وكذلك الاهتمام بإنشاء الكتاتيب لما كثر الصبيان ونصب رجالاً لتعليمهم وتأديبهم (136).
فعن ” سليمان بن أرقم عن الحسن أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ـــ رضي الله عنهما ـــــ كانا يرزقان المؤذنين والأئمة والمعلمين والقضاة” (137) .
وفي دمشق كانت هناك حلقة لأبي الدرداء يقرأ الناس فيها القرآن ويعلمهم إياه (138).
لقد ” كان الخلفاء الراشدون (رضي الله عنهم) بعد وفاة الرسول ﷺ يشعرون بعظم الواجب الملقى عليهم في حفظ الدين على أصوله الصحيحة التي نزلت على رسول الله ﷺ، وكانوا يعملون جاهدين في إحياء سنة الرسول ﷺ والقضاء على البدع، والعمل على احترام دين الله واحترام رسوله ﷺ ورد كيد من يحاولون الدس على هذا الدين. وقد عمل عثمان (رضي الله عنه) على كتابة المصحف الشريف وإرسال نسخ منه إلى الأمصار” (139).
وفي عهد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وبالرغم من ظهور الفتن التي عصفت بالأمة بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) إلا إن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان من المحبين للعلم والعلماء ومن ” علماء الصحابة الكبار، وقد تميز (رضي الله عنه) بجده في التحصيل، والتحري في قبول العلم، والسؤال في طلبه” (140) .
وقد استمر (رضي الله عنه) ” على منهج الخلفاء الثلاثة .. في الدعوة، وهذا ما يبين فضل الصحابة وتأسي بعضهم ببعض” (141).
وأمام ” ظهور بعض الفرق المذهبية، التي ظهرت أول ما ظهرت في عهده (رضي الله عنه)كالخوارج والسبئية، فقد وقف علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) منهم موقف الداعية الحكيم، يجادلهم بالبيان تارة، ويقارعهم بالسنان أخرى، مرة بالوعظ والتذكير، وأخرى بالنصح والتحذير، قد استفرغ في ذلك وسعه وأعذر إلى ربه” (142).
كما أنه بعث عبدالله بن عباس ـــ رضي الله عنهما ــــ وكذلك قيس بن سعد بن عبادة (رضي الله عنه) لدعوة الخوارج (143).
وإنه” من المتعذر الكلام عن حركة التعليم، واقعه ومداه ومستوياته ومناهجه ومؤسساته بصورة دقيقة وشاملة للمنطقة الواسعة التي كان الإسلام يحكمها .. فقد امتد الإسلام في برهة وجيزة من أطراف خراسان الشرقية حتى أفريقية تونس، ومن شرق الأناضول حتى البحر العربي، وهي منطقة تبلغ مساحتها (3500000) م2، وتشتمل على مراكز الحضارة العالمية القديمة، في بلاد الرافدين ووادي النيل، حيث قامت الحضارات السومرية والأشورية والبابلية في العراق، والحضارة الفرعونية بمصر” (144).
– عصر الدولة الأموية :
لم يختلف دعم الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) في العصر الأموي عن العصرين الذين سبقاه فعصر الدولة الأموية كان امتداداً للقرون المفضلة لهذه الأمة.
فقد ” شهد العصر الأموي بناء قوة بحرية وبرية إسلامية مهيبة وامتدت فتوحاتهم من الصين شرقاً إلى بلاد الأندلس غرباً ومن شواطئ البحر المتوسط شمالاً إلى بلاد السودان جنوباً. وحرص خلفاء بني أمية على أن يصاحب الفقهاء والعلماء جندهم ليشدوا أزرهم ويبيّنوا لهم فضيلة الجهاد ومميزات الشهادة والشهيد. ويقوم هؤلاء العلماء والفقهاء كذلك بتعليم أهالي البلاد المفتوحة القرآن الكريم والحديث والسنن واللغة العربية ويبينون لهم الحلال والحرام وما ينفعهم في دينهم ودنياهم” (145) .
و” كانوا يأمرون أعداداً من المسلمين العرب أن ينتقلوا بعوائلهم للسكني في الأراضي الجديدة المفتوحة، ليحتك بهم المسلمون الجدد ويتعلموا منهم الدين والعلم والخلق وسائر الأمور، هذا فضلاً عن نقل عدد من العلماء إلى الأراضي الجديدة ليقوموا بتعليم الناس وتدريسهم أمور الدين الحنيف وبخاصة الإمامة والخطابة إضافة إلى القيام بمهام القضاء” (146).
وقد “أدى انتشار التعليم ونشوء مراكز العلم في المدن الرئيسة مثل : مكة والمدينة ودمشــق والبصــــرة والكوفة والفسطاط والقيروان إلى ازدهار الحركة الفكرية في العصر الأموي . وقد ساهم الخلفاء الأمويون وولاتهم على الأقاليم، بدور فعال في دفع هذه الحركة إلى الأمام، بطريق مباشر أو غير مباشر” (147).
” وبدأ الفقهاء والعلماء ينتقلون من بلد إلى آخر. ولذلك أصبحت الرحلة في طلب العلم وسماع الشيوخ ضرورة ملحَّة. وقد أَولى بعض خلفاء بني أُمية هذا الجانب اهتماماً خاصاً، فيروى أن الوليد بن عبد الملك (رضي الله عنه)كان يعطي إعانات للقراء المتفرغين لطلب العلم في بيت المقدس. وأن عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه)كتب إلى والي حمص : ” انظر إلى القوم الذين نَصبوا أنفسهم للفقه، وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا، فأَعط كل رجل منهم مائة دينار يستعينون بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين وإن خيرا لخير أَعجله” (148).
وكان من اهتمام بني أمية بالرحلات والبعوث الدعوية ودعمها ما جاء من أن عمر ابن عبدالعزيز(رضي الله عنه) الخليفة الزاهـــــــــــــد الراشــــــــد، والداعية الناصح. كان يحرص على نشر العلم في الأمصار والبواد حيث بعث يزيد بْن أبي مالك الدمشقي، والحارث بْن يمجد الأشعري يفقهان الناس في البدو (149).
وبهذا يتضح أثر الدعم السياسي التي لاقته رحلات وبعوث الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) الدعوية والتي كانت أحد أسباب نجاحها.
* * *
الفرع الثاني
المكانة الاجتماعية
من عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) المكانة الاجتماعية التي حظى بها دعاة الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) في رحلاتهم وبعوثهم الدعوية .
فللصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) منزلة كبيرة وكريمة في قلوب المؤمنين الصادقين الذين لم تزل بهم قدم الفتن، والبدع، والمخالفات، والآيات والأحاديث الواردة في منزلة الصحابة (رضي الله عنهم) كثيرة منها قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (150).
وقال تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (151) .
قال ابن تيمية ــــ رحمه الله ــــ : ” الرضا من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أن يوافيه على موجبات الرضا، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح؛ فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له فلو علم أنه يتعقب ذلك بما سخط الرب لم يكن من أهل ذلك” (152).
وقال ابن حزم ــــ رحمه الله ــــ : “فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهـــــم أو الشك فيهم البتــــــــة” (153).
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ (154).
قال الشيخ حافظ الحكمي- رحمه الله- : “وقد رتب الله تعالى فيها الصحابة (رضي الله عنهم) على منازلهم وتفاضلهم، ثم أردفهم بذكر التابعين في قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ ” (155) .
وعن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ ـــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـــ قال : قال ﷺ: ((خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ .. )) (156).
قال الطيبي ــــ رحمه الله ــــ : “يعني الصحابة ثم التابعين” (157). و” من المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة، وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف، أن خير قرون هذه الأمة، في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة أن خيرها، القرن الأول، ثم الذين يلونَهم ثم الذين يلونَهم، كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ من غير وجه، وأنّهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة، وأنّهم أولى بالبيان من كل مشكل، هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وأضله الله على علم” (158).
قال الشافعي ــــ رحمه الله ــــ:” وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله ﷺ في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله ﷺ من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك، ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، هم أدوا إلينا سنن رسول الله ﷺ، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله ﷺ، عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقـــــــل استــــــدرك به علــــــم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا لأنفسنا ـــــ والله أعلم ــــ” (159).
“فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ﷺ ونصرته، وإقامة دينه، وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه ﷺ ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع، وحكم وقضى، وندب وأمر، ونهى وحظر وأدب، ووعوه فأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينة رسول الله ﷺ ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه، واستنباطهم عنه، فشرفهم الله ـــ عز وجل ــــ بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز، وسماهم عدول الأمة” (160) .
وجمهور الأمة الإسلامية مجمعون على أن الصحابة (رضي الله عنهم) كلهم عدول مرضيون قال ابن كثير ــــ رحمه الله ــــ : ” والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله تعالى عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله ﷺ ، رغبة فيما عند الله تعالى من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل” (161).
وقال الحافظ الذهبي ــــ رحمه الله ــــ : ” فأما الصحابة (رضي الله عنهم) فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل، وبه ندين الله تعالى” (162).
وفي فضل الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم) قال رسول ﷺ : (( يَأْتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ ﷺ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺفَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَيُقَالُ نَعَمْ فَيُفْتَحُ)) (163).
قال ابن حجر ــــ رحمه الله ــــ قوله : ثم الذين يلونهم أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون (164).
” وقد وردت أحاديث في فضائل الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) منها عام ومنها خاص بالمهاجرين ومنها خاص بالأنصار ومنها خاص بالآحاد فرداً فرداً، ومنها القطع لأحدهم بالجنَّة مطلقاً، ومنها القطعُ لبعضهم بمجاورة رسول الله ﷺ في الجنة ليس هذا موضع بسطه” (165).
– محبة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم):
محبة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المرتحلين للدعوة كانت أحد عوامل تبوئهم لتلك المكانة الاجتماعية التي كانت أحد عوامل نجاح رحلاتهم الدعوية فقد حظوا بحب كل من أحب الله ورسوله ﷺ واتبع هديه ” فن عقائد أهل السنة والجماعة وجوب محبة أصحاب رسول الله ﷺ وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم والاحتجاج بإجماعهم والاقتداء بهم، والأخذ بآثارهم، وحرمة بغض أحد منهم لما شرفهم الله به من صحبة رسوله ﷺ والجهاد معه لنصرة دين الإسلام، وصبرهم على أذى المشركين والمنافقين، والهجرة عن أوطانهم وأموالهم وتقديم حب الله ورسوله ﷺ على ذلك كله، وقد دلت النصوص الكثيرة على وجوب حب الصحابة (رضي الله عنهم) جميعاً، وقد فهم أهل السنة والجماعة ما دلت عليه النصوص في هذا واعتقدوا ما تضمنته مما يجب لهم من المحبة على وجه العموم (رضي الله عنهم) وأرضاهم” (166). قال الطحاوي ــــ رحمه الله ــــ : “ونحب أصحاب رسول الله ﷺ ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من واحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان” (167) . “وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين ـــــ أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر ـــــ لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء، فهو على غير السبيل
” (168).
وقال ابن بطة في عقيدة أهل السنة: “ونحب جميع أصحاب رسول الله ﷺ على مراتبهم ومنازلهم أولاً فأولاً من أهل بدر والحديبية وبيعة الرضوان وأحد فهؤلاء أهل الفضائل الشريفة والمنازل المنيفة الذين سبقت لهم السوابق رحمهم الله أجمعين” (169) .
قال الحميدي ــــ رحمه الله ــــ : “إن من السنة الترحـــم عليهم كلهم: فإن الله عز وجل قال:
﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ (170).
فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمن سبهم أو تنقصهم أو أحداً منهم فليس على السنة، وليس له في الفيء حق، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس” (171).
سئل الحسن البصري (رضي الله عنه) : “حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما سنة؟ قال: لا، فريضة” (172) .
” فمن أراد السلامة لدينه وأن يسلم له إيمانه فليحبهم جميعاً، وأن يحتم ذلك على نفسه، وعلى كل أبناء جنسه لأن ذلك واجب على جميع الأمة واتفق على ذلك الأئمة، فلا يزوغ عن حبهم إلا هالك، ولا يزوغ عن وجوب ذلك إلا آفك” (173).
– حرمة بغضهم وسبهم (رضي الله عنهم) :
ليس الحب الذي أوجبه الدين للصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) هو وحده الذي أنزلهم تلك المنزلة الاجتماعية الرفيعة بل إن ما ورد في حرمة وتجريم من تعرض لمكانتهم كانت داعماً لهذه المكانة العالية، قال أبو زرعة الرازي ــــ رحمه الله ــــ : ” إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول ﷺ عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ﷺ وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة” (174).
وقال الذهبي ــــ رحمه الله ــــ: “فمن طعن فيهم أو سبهم، فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين، لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساوئهم وإضمار الحقد فيهم، وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من الثناء عليهم، وما لرسول الله ﷺ من ثنائه عليهم، وفضائلهم ومناقبهم وحبهم ولأنّهم أرضى الوسائل من المأثور، والوسائط من المنقول، والطعن في الوسائط طعن في الأصل، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول، وهذا ظاهر لمن تدبره، وسلم من النفاق والزندقة والإلحاد في عقيدته” (175).
وقال ابن عباس ــــ رضي الله عنهما ــــ : “لا تسبوا أصحاب محمد ﷺ فإن الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم، وهو يعلم أنّهم سيقتتلون”.
وقال عبد الله بن عمر ــــ رضي الله عنهما ــــ :”لا تسبوا أصحاب محمد ﷺ فإن مقام أحدهم خير من عمل أحدكم عمره كله” (176).
قال ابن كثير ــــ رحمه الله ــــ : “وما أحسن ما استنبط الإمام مالك ــــ رحمه الله ــــ من هذه الآية الكريمة: أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب، لعدم اتصافه فيما مدح الله به هؤلاء قولهم: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (177).
سئل الإمام أحمد ــــ رحمه الله ــــ وقيل له: “ما تقول فيمن زعم أنه مباح له أن يتكلم في مساوئ أصحاب رسول الله ﷺ ؟ فقال: هذا كلام سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ويبين أمرهم للناس” (178).
وهكذا فإن ما ورد من آيات وأحاديث وآثار في مكانة الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) ومنهم المرتحلين والمبعوثين للدعوة ووجوب محبتهم وحرمة بغضهم وسبهم كان من أعظم الأسباب التي أنزلتهم تلك المنزلة الاجتماعية العالية الرفيعـــــــة مما جعــــــل ذلك أحد عوامل نجاح الرحلات والبعوث الدعوية للصحابة والتابعــــــــــين (رضي الله عنهم) .
[1] مدارج السالكين لابن قيم الجوزية، حققه: محمد البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1416 هـ، 2/397 .
[2] الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين، سهل بن رفاع العتيبي، دار كنوز اشبيليا، ص163 .
[3] سورة الأعراف، الآية : ٩٦ .
[4] أخرجه الإمام البخاري، كتاب تفســـــــــــير القرآن، سورة براءة، باب قوله ثاني اثنين إذ هما في الغـــار إذ يقول لصاحبه لا تحــــــزن إن الله معنا، ح 4386، 4/1713 .
[5] سورة التوبة، الآية: ٤٠ .
[6] تفسير الطبري، 8/77.
[7] النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة، إبراهيم بن صبغة الله البغدادي، حققه: عبد العزيز المحمود الشافعي، مكتبة الإمام البخاري، مصر، الطبعة الأولى، 1428 هـ، ص73 .
[8] سورة الفتح، آية 29.
[9] الموسوعة العقدية، لمجموعة من الباحثين بإشراف علوي السقاف، الدرر السنية، 2/262 .
[10] التنكيل بما تأنيب الكوثري من الأباطيل، عبد الرحمن العتمي اليماني، حققه: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثالثة، 1404 هـ، 1/42 .
[11] انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 1/347.
[12] المرجع السابق، 2/48 .
[13] المرجع السابق، ، 2/308 .
[14] البداية والنهاية لابن كثير، 7/39-40.
[15] الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة، محمد بدري، دار الصفوة، الطبعة الأولى، 1432هـ، ص74.
[16] جامع العلوم والحكم، 1/ 81 .
[17] سورة يوسف، الآية : ١٠٨.
[18] سورة العلق، الآيات : ١ ــــــــ ٥ .
[19] البصيرة في الدعوة إلى الله، عزيز بن فرحان العنزي، دار الإمام مالك، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 1426هـ ، د ط، ص 21.
[20] مجموع الفتاوى لابن تيمية، 17/353 .
[21] طبقات الفقهاء، أبو اسحــاق إبراهيــــم الشيرازي، حققــــه محمــــد عباس، دار الرائــــد العربي، بـــــيروت، الطبعـــــة الأولى، 1970م، ص 36.
[22] إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، ص 13.
[23] جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، 1/164.
[24] انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي ، 4/576.
[25] انظر: المرجع السابق، 6/120.
[26] انظر: المرجع السابق، 5/336.
[27] جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، 1/164 .
[28] انظر: أنواع الصبر ومجالاته، سعيد بن علي القحطاني، مطبعة سفير، الرياض، ص5.
[29] سورة النحل، الآيات من : ١٢٧ – ١٢٨.
[30] أخرجه الإمام البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، ح 3290، 3/1282.
[31] انظر: أنواع الصبر ومجالاته، سعيد بن علي القحطاني ص58 .
[32] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء الكتاب والسنة، سليمان الحقيل، موقع الإسلام، الطبعة الرابعة، 1417ه، ص146.
[33] أخرجه الإمام البخاري، كتاب الأطعمة، باب ذكر الطعام، ح1710، 2/639 .
[34] فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر، كتاب العمرة، باب السفر قطعة من العذاب، ح 1710، 3/729.
[35] كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله، محمد إمام، مطبعة السلام، مصر، الطبعة الأولي، 2005 م، ص535.
[36] تهذيب الأسماء واللغات للنووي، دار الكتب العلمية، بيروت ، د ط 2/2.
[37] أحكام القرآن للجصاص 3/176، ويدل على أن هذا كان في رحلة ابن عباس (رضي الله عنه) أن الراوي عبدالله الأسلمي (رضي الله عنه) كوفي وخاتمة من مات بالكوفة من الصحابة، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي3/429.
[38] سورة البقرة، الآية : 159.
[39] مصنف بن أبي شيبة، 7/113 .
[40] تاريخ الطبري، 2/488 .
[41] سير أعلام النبلاء للذهبي، 2/509.
[42] مختصر تاريخ دمشق لابن منظور، 2/318 .
[43] المحن، محمد بن أحمد التميمي، حققه عمر العقيلي، دار العلوم، الرياض، الطبعة الأولى، 1404هـ، ص76.
[44] المرجع السابق، ص 364.
[45] الأخلاق الإسلامية، حسن سعيد، ص 197 .
[46] انظر : في ذلك إلى ما ورد في هذه الدراسة ص 201.
[47] مفتاح دار السعادة لابن قيم الجوزية، 1/78.
[48] سورة النحل، الآية : 125.
[49] التحرير والتنوير لابن عاشور، 15/ 334.
[50] أخرجه الإمام البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، ح544، 2/544.
[51] مفهوم الحكمة في الدعوة، صالح بن حميد، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، السعودية، الطبعة الأولى، 1422هـ، ص24.
[52] وقفات دعوية في رحلة سفير الدعوة الأول مصعب بن عمير، زيد الزيد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1412ه، ص25.
[53] التدرج في دعوة النبي ﷺ، إبراهيم المطلق، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية، الطبعة الأولى، 1417هـ، ص113، انظر: سيرة ابن هشام، 2/59 .
[54] الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، سعيد القحطاني، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية، الطبعة الأولى، 1423هـ ، ص319.
[55] سير أعلام النبلاء للذهبي، 6/123.
[56] تاريخ دمشق، لابن عساكر، 47/177 .
[57] الزهد، لابن المبارك: ص 313، ويدل على أن مقالة ابن مسعود (رضي الله عنه) هذه كانت في رحلته الدعوية للكوفة أن الراوي هو أبو إسحاق السبيعي شيخ الكوفة وعالمها وأحد من روى عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي5/394 .
[58] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأبي بكر بن الخلال، حققه : يحيى مراد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1424 هـ، ص25.
[59] فتح الباري شرح صحيح البخاري، 1 / 163.
[60] أخرجه الإمام البخاري، كتاب العلم، باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة، ح 70، 1/39، ويدل على أن هذا في رحلة ابن مسعود (رضي الله عنه) للكوفة أن الراوي هو : أبو وائل الأسدي أسد خزيمة الكوفي شيخ الكوفة وأحد الرواة عن ابن مسعود، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي4/162.
[61] أخرجه الإمام البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يكره من السجع في الدعاء، ح 5978، 5/2333 ، ويدل على أن هذا في رحلة ابن عباس لمكة أن الراوي هو عكرمة مولى ابن عباس وأحد أبرز طلابه انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي5/13.
[62] أدب المجالسة، لابن عبد البر، دار الصحابة للتراث – طنطا، الطبعة الأولى، 1409ه، ص107، ويدل على أن هذا في رحلة ابن مسعود (رضي الله عنه) للكوفة أن الراوي هو عبدالله بن عون قال أبو داود : سمعت أبا عوانة يقول : رأيت الكوفة ، ورأيت الناس ، ما رأيت مثل أيوب ، ويونس ، وابن عون ، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي6/367.
[63] مفهوم الحكمة في الدعوة، صالح بن حميد، ص19.
[64] انظر: المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، حققه: حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، الهند، الطبعة الثانية، 1403ه، 10/157 .
[65] أخرجه الإمام البخاري، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، ح4086، 4/1579.
[66] أخرجه الإمام مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، ح3268،3/1358.
[67] الإمام النووي، شرح صحيح مسلم، ح 1732، 3/420.
[68] الجرح والتعديل، للرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1271 هـ، المقدمة، 1/7.
[69] سورة الأنعام، الآية :90 .
[70] سورة الأحزاب، الآية :21.
[71] الحضارة الإسلامية أسسها ووسائلها وصور من تطبيقات المسلمين لها ولمحــــات من تأثيرهـــا في سائر الأمم، عبد الرحمن الميداني، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، ص82 .
[72] أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي، عبدالله قادري الأهدل، ب ن، الطبعة الثانية، 1428هـ، ص331.
[73] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن تيمية، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية
الطبعة الأولى، 1418هـ ، ص 35.
[74] أخرجه الإمام البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة المائدة، باب قوله لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، ح 4345، 4/1690.
[75] التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة الأولى، 1399هـ، ص42، ويدل على أن هذا كان في الكوفة أن الراوي هو سعد بن الأخرم الطائي الكوفي أحد من روى عن ابن مسعود، انظر : تهذي التهذيب لابن حجر 3/465.
[76] صفة الصفوة لابن الجوزي، 1/210، ومما يدل على أن هذا كان في رحلة سلمان الفارسي الدعوية أن وفاته كانت في المدائن انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي 1/555 .
[77] طبقات ابن سعد، 4/110.
[78] المرجع السابق،1/ 327
[79] انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي4/ 570، ويدل على أن هذا كان في رحلة الحسن الدعوية للبصرة أن راوي الحديث هو مبارك بن فضالة من كبار علماء البصرة انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي7/281، والحديث أخرجه الترمذي وصححه (3631) وابن خزيمة في صحيحه (1777) .
[80] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني، 2/150 .
[81] قرية من أعمال دمشق ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفّر في شمالي حوران، انظر: معجم البلدان للحموي 2/91.
[82] سير أعلام النبلاء للذهبي، 28/118.
[83] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني، 1/261. ويدل على أن هذا كان في رحلة أبي موسى (رضي الله عنه) أن الراوي هو شقيق بن سلمة الإمام الكبير شيخ الكوفة أحد المحدثين عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي4/162.
[84] طبقات ابن سعد، 1/111.
[85] المصنف لابن أبي شيبة، 8/ 168.
[86] طبقات ابن سعد ، 1/ 221. ويدل على أن هذا كان في رحلة أبي الدرداء الدعوية لدمشق أن أم الدرداء هذه هي جهيمة الحميرية الدمشقية، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي4/278.
[87] المرجع السابق، 2/22.
[88] المرجع السابق، 1/ 328.
[89] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني، 1/259.
[90] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني، 1/142.
[91] مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي، حققه: طلعت الحلواني، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1425هـ، 4/122.
[92] سير أعلام النبلاء للذهبي ، 4 /10 .
[93] منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر، عدنان بن محمد آل عرعور، ص81 .
[94] تأملات في فقه الدعوة، طلعت محمد عفيفي وجمال عبد الستار، الجمعية الشرعية الرئيسية، معاهد إعداد الدعاة، مصر، د ت ، د ط، ص 100.
[95] أدب التخاطب في ضوء السنة أصول وضوابط، مجلة البحوث الإسلامية، علي بن عبدالله الصياح، العدد الرابع والثمانون، الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الآخرة لسنة 1429 هـ، ص 349.
[96] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن قيم الجوزية، 2/481.
[97] دليل الداعية، ناجي السلطان، دار طيبة الخضراء، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، ص75 .
[98] من صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين في ضوء الكتاب والسنة وسير الصالحين، فضل إلهي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1417ه،ص 179.
[99] انظر : تاريخ الطبري 3/402 ــــــــ 403.
[100] أصول الدعوة، لعبد الكريم زيدان، ص 429
[101] أخرجه الإمام مسلم في المقدمة، 1/55.
[102] أخرجه الإمام مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي ﷺ إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، ح 1773، 3/1397.
[103] موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، ص312.
[104] انظر : الروض الانف، للسهيلي، حققه: عمر السلامي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ 1/370
[105] الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، سعيد القحطاني، ص 422.
[106] أخرجه الإمام مسلم، المقدمة، باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع، ح9، 1/ 11.
[107] أخرجه الإمام البخاري، كتاب: الزكاة، باب: أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، ح 1425، 2/544.
[108] رحلة معاذ بن جبل إلى اليمن كما وردت في السنة، أحمد محمد العليمي، ص 246.
[109] أخرجه الإمام البخاري، كتاب: الاذان، باب: من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد، ح 602، 1/ 220.
[110] سير أعلام النبلاء للذهبي، 1/346.
[111] المرجع السابق، 1/281.
[112] شرح السنة، للبغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، 10/55. الطبعة الثانية، 1403هـ .
[113] أخرجه الإمام البخاري، أبواب: صلاة الجماعة والإمامة، باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي ﷺ وسنته، ح 645، 1/240.
[114] عمر بن عبد العزيز ومنهجه في التمكين للدعوة، على سيد أحمد الفرسيسي، دورية دعوة الحق، كتاب: دوري محكم يصدر عن رابطة العالم الإسلامي، العدد 261، 15/1/1436هـ، ص156.
[115] انظر : البداية والنهاية، لابن كثير 7/289.
[116] انظر : موسوعة الأخلاق، خالد الخراز، مكتبة أهل الأثر، الكويت، الطبعة الأولى، 1430هـ، ص 90، وانظر : مراعاة أحوال الناس في ضوء السنة النبوية، عبداللطيف الأسطل، الجامعة الإسلامية بغزة، كلية أصول الدين، قسم الحديث، 1429هـ.
[117] سور الأنبياء، الآية : 107.
[118] سورة الفرقان، الآية : 1 .
[119] أخرجه الإمام البخاري، كتاب الصلاة، أبواب استقبال القبلة، باب قول النبي ﷺ،جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ح427، 1/ 170.
[120] سورة الأعراف، الآية : 158.
[121] سورة الحج، الآية : 49 .
[122] من مفاهيم ثقافتنا الإسلامية، د. علي القرني، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، المجلد 13/ العدد 21، ص47 .
[123] طبقات ابن سعد، 1/258.
[124] السياسة الخارجية للدولة الإسلامية في عهد النبوة، عبدالله السحيباني، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، المعهد العالي للقضاء، 1399هـ،ص80 .
[125] المرجع السابق، ص91.
[126] السيرة النبوية والاثار المحمدية، أحمد زيني دحلان، المطبعة الأزهرية، مصر، الطبعة الثالثة، 1351هـ، 3/63 .
[127] السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1424هـ، ص515.
[128] سفراء النبي، محمود شيت خطيب، دار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى، 1417هـ، 2/201.
[129] السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد غلوش، ص522-523.
[130] وقفات مع أحاديث تربية النبي ﷺ لصحابته (رضي الله عنهم)، عبد الرحمن بن عبد الكريم الزيد، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: السنة السادسة والثلاثون العدد (112) 1424هـ، ص103.
[131] انتشار الإسلام الفتوحات الإسلامية زمن الراشدين، جميل عبد الله المصري، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة السنة الحادية والعشرون، العددان الواحد والثمانون والثاني والثمانون، المحرم – جمادى الآخرة 1409هـ، ص73 .
[132] انظر: عصر الخلافة الراشدة، ضياء العمري، ص329 .
[133] المرجع السابق، عصر الخلافة الراشدة، ضياء العمري، 297.
[134] طبقات ابن سعد، 6/9 .
[135] انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر، 1/315.
[136] انظر: التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية للكتاني، حققه: عبد الله الخالدي، دار الأرقم، بيروت، الطبعة الثانية، 2/293.
[137] تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، 2/81.
[138] انظر: تاريخ دمشـــق، لابن عساكر، 1/315 .
[139] عصر الخلافة الراشدة، ضياء العمري، ص 330 .
[140] أسمى المطالب في ســـــيرة أمــــير المؤمنــــــين علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)، علي الصلابي، مكتبة الصحابة، الشارقة، 1425هـ، 1/274.
[141] الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبد الرحيم المغذوي، ص167.
[142] منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى الله، سليمان بن قاسم العيد، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1422هـ. ص12.
[143] انظر: البداية والنهاية، لابن كثير 10/566 والوافي بالوفيات للصفدي، حققه: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث ، بيروت، د ط، 1420هـ.
[144] عصر الخلافة الراشدة، ضياء العمري، ص236.
[145] تاريخ الدولة الأموية، عمر بن سليمان العقيلي، الجمعية التاريخية السعودية بجامعة الملك سعود، الرياض، 1426ه، ص 170 .
[146] حركة الجهاد والفتح الإسلامي في عهد الدولة الأموية وأثرهما في الدعوة إلى الله تعالى وانتشار الإسلام، ناصر الأحمد، رسالة دكتوراه، معهد الدعوة الجامعي، بيروت، 1429هـ، ص214.
[147] تاريخ الدولة الأموية، عمر بن سليمان العقيلي، ص172.
[148] المرجع السابق، ص161، انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر، 320/46.
[149] انظر: تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر، تحقيق: عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت، د ط، 1415هـ، ترجمة : الحارث بن يمجد الأشعري القاضي، 11/510.
[150] سورة الفتح، الآية : 29.
[151] سورة الفتح، الآية : 18.
[152] الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص 573 .
[153] الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، حققه : محمد ابراهيم نصر ، مكتبة الخانجي، القاهرة ، د ط ، 1321هـ 4/148.
[154] سورة الحشر، الآية : 10 .
[155] سورة الحشر ، آية : 10 .
[156] أخرجه الإمام البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي ﷺ، ح 3450، 3/1334.
[157] شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى، حققه: عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1417 ه، 12/3843.
[158] مجموع فتاوى، ابن تيمية، 4/ 157 .
[159] مناقب الشافعي للبيهقي، حققه: السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى،1390هـ، 1/442.
[160] الجرح والتعديل للرازي، المقدمة 1/7 .
[161] الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث، لابن كثير، حققه : أحمد محمد شاكر، الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ب ت، ص 181.
[162] الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم للذهبي، حققه: محمد إبراهيم الموصلي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ، ص24.
[163] أخرجه الإمام البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، ح2740، 3/1061.
[164] فتح الباري بشرح صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، ح3449، 3/9.
[165] معارج القبول بشرح سلم الوصول، لحافظ بن أحمد الحكمي، 3/1396.
[166] عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (رضي الله عنهم)، ناصر بن علي الشيخ، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثالثة، 1421هـ، 2/257.
[167] شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، 2/690.
[168] شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، 2/741.
[169] الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة، لابن بطة، الدار الأثرية، عمان، الطبعة الأولى، 1430هـ، ص 128.
[170] سورة الحشر، الآية : 10 .
[171] أصول السنة للحميدي، حققه مشعل الحداري، دار ابن الأثير، الكويت، الطبعة الأولى، 1418هـ، ص39، والآية من سورة الحشر، رقم : 10.
[172] من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي، حققه عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، لبنان، 1400 هـ، ص171 .
[173] لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للسفاريني، دار الخاني، الرياض، الطبعة الثالثة،1411هـ، 2/354 .
[174] الكفاية في علم الرواية، للخطيب، ص 49.
[175] الكبائر، للذهبي، ص 189.
[176] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، 3/63 .
[177] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 4/ 363، والآية من سورة الحشر، رقم : 10.
[178] السنة للخلال، حققه: عطية الزهراني، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى، 1410هـ، 3/511.