تأهيل المدعوين ليكونوا دعاة
كيف كان الصحابة والتابعين يعدون المدعوين ليكونوا دعاة
كيف أهل الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) المدعوين ليكونوا دعاة
كيفية تأهيل الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم)
المدعوين ليكونوا دعاة
نوه الله جل في علاه عن عظائم الأجور التي ينالها الداعية في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (1).
وعلى هذا فيجب أن يكون الدعاة الذين سيحملون شرف أداء الرسالة، والقيام بأعباء الدعوة، وتحمل تبعاتها مؤهلين تأهيلاً علمياً راسخاً (2) .
وقد وعد الله سبحانه بظهور الإسلام فقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (3).
وظهور الإسلام على الدين كله، يتحقق بالدعوة إلى الله تعالى، التي تحتاج في هذا العصر إلى التخطيط، واختيار أساليبها المناسبة، ومعرفة الواقع الذي يحياه الناس، في داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها. كما تحتاج إلى إعداد الدعاة؛ ليكونوا أهلا لنشر كلمة الله بين الناس، لإصلاح القلوب والنفوس” (4).
إن إعداد الدعاة من الواجبات التي يجب على الأمة العناية به، فنحن أمة الدعوة لكل خير تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر كما قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (5).
وكان النبي ﷺ قد أعد أصحابه (رضي الله عنهم) ليقوموا بأشرف المهام وأعظمها منزلة عند الله فهي المهمة التي اختص بها الله تبارك وتعالى أشرف خلقه وهم رسله وأنبياءه عليهم الصلاة والسلام
فرباهم بحكمته ﷺ وغرس في قلوبهم العقيدة السليمة وصاغ منهم صوراً حية للقرآن، فقوى الله ضعفهم، وألف بين قلوبهم، وزادهم وأيدهم، فانطلقت في أرجاء المعمورة لنشر نور الإسلام، وتحطم رايات الشرك والجور والظلام ففتح الله بهم الممالك في مدة وجيزة لم تكن لغيرها من الأمم (6)، فكان من ثمار ذلك تأهيل المدعوين ليكونوا دعاة حتى إن عكرمة مولى ابن عباس ــــ رضي الله عنهما ـــــ وتلميذه النجيب طلب العلم وكما يقول أربعين سنة وكان ابن عباس ــــ رضي الله عنهما ـــــ يضع في رجليه الكبل على تعليم القرآن والسنن فكان البحر في العلم وقد اعتمد ابن عباس عليه في الإفتاء وكان يقول له : ” انطلق فأفت الناس وأنا لك عون ” قال عنه شهر ابن حوشب :” إنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الأمة” (7) .
وأما ابن مسعود المرتحل للكوفة فقد بث فيها علما كثيراً، وتلاميذه فاقوا غيرهم ممن تتلمذوا على أيدي غيره من الصحابة(رضي الله عنهم) حتى قال الشعبي ــــ رحمه الله ــــ : ” لم يكن أحد من أصحاب رسول الله ﷺ أفقه أصحاباً من عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)” (8).
وكان أحفظ هؤلاء الأصحاب لعلم ابن مسعود (رضي الله عنه) وأكثرهم تأسيا به هو علقمة بن قيس النخعي، فقد لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل، وتفقه به العلماء، وبعد صيته، وكان يتشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته، وكان طلبته يسألونه ويتفقهون به والصحابة متوافرون (9). وأما أبو الدرداء (رضي الله عنه) المرتحل للشام فقد كان مجلسه حافلاً بطلبة العلم فعن مسلم ابن مشكم : قال لي أبو الدرداء (رضي الله عنه): اعدد من في مجلسنا. قال : فجاءوا ألفا وستمائة ونيفا. فكانوا يقرأون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح، انفتل وقرأ جزءا; فيحدقون به يسمعون ألفاظه. وكان ابن عامر مقدما فيهم (10). وكان معاذ بن جبل (رضي الله عنه) يحرص على تأهيل طلابه ويرشدهم وهو في أحلك الظروف فقد قيل له وهو على فراش الموت : ” يا أبا عبد الرحمن أوصنا قال: أجلسوني إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما يقول ذلك ثلاث مرات التمس العلم عند أربعة رهط: عنــــد عويمر بن أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعنــــد عبد الله بن مسعـــود، وعنــــد عبد الله بن ســلام (رضي الله عنهم)” (11) .
ومن سير التابعين المرتحلين للدعوة في تأهيل المدعوين ليكونوا دعاة ما كان من الضحاك ابن مزاحم (رضي الله عنه) حيث جاء أنه كان يدّرس ثلاثة آلاف صبي وكان يُعلّم ولا يأخذ أجراً، ومن أشهر تلاميذه من الدعاة عمارة بن أبي حفصة، وأبو سعد البقال، وجويبر بن سعيد، ومقاتل، وعلي بن الحكم (رضي الله عنهم)، وغيرهم (12).
“ولقد نشطت المدارس العلمية … وأشرف الصحابة (رضي الله عنهم) الكرام على تعليم وتربية الناس فيها، واستطاعت تلك المدارس أن تخرج كوادر علمية وفقهية ودعوية متميزة … واستطاع علماء الصحابة (رضي الله عنهم) الذين تفرغوا لدعوة الناس وتربيتهم أن ينشئوا جيلاً من العارفين للدين الإسلامي من أبناء المناطق المفتوحة … لقد أثرت المدارس العلمية والفقهية في المناطق المفتوحة، وشكلت جيلاً من التابعين نقلوا إلى الأمة علم الصحابة” (13).
وقد سبق الإشارة إلى حلق العلم التي كان يعقدها الصحابة والتابعون(رضي الله عنهم) المرتحلون للدعوة في مساجد أمصار الدولة الإسلامية الواسعة الأطراف، وأبرز المراكز العلمية التي أسسها الصحابة والتابعون المرتحلون للدعوة إلى الله تعالى (14).
-
من المدعوين الذين تم تأهيلهم ليكونوا دعاة:
أثمرت تلك الرحلات الدعوية للصحابة (رضي الله عنهم) بإعداد نخبة من العلماء كمثل النجوم يهتدى بهم في الظلمات، فبدل الله بهم الأحوال ونفع بهم البلاد والعباد.
ففي أم القرى التي رحل إليها عبد الله بن عباس ـــــ رضي الله عنهما ــــــ والذي يرجع إليه الفضل بعد الله في إنشاء مدرستها الفقهية حتى غدت معقلاً من معاقل العلم والفقه التي يرحل إليها طلاب العلم لينهلوا من علم ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ ويحظوا بجوار بيت الله الحرام أشتهر من تلاميذه ” مجاهد، وطاوس، وعطاء، وسعيد، وعكرمة، وجابر بن زيد” (15)، وشهر ابن حوشب (16)، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرجي المدني (17)، وعكرمة بن خالد بن العاص (18)، وعمران بن تيم (19)، ويزيد بن القعاع (20)، وغيرهم. وأما ابن مسعود (رضي الله عنه) المرتحل إلى الكوفة فممن اشتهر من تلاميذه “علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي وهو عم علقمة، وعمرو ابن شرحبيل الهمداني، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبيدة السلماني، وشريح بن القاضي وسليمان بن ربيعة الباهلي، وزيد بن صوحان، وسويد بن غفلة، والحارث بن قيس الجعفي، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي، وعبد الله بن عتبة بن مسعود القاضي، وخيثمة بن عبد الرحمن، وسلمة بن صهيب، ومالك بن عامر، وعبد الله بن سخبرة، وزر بن حبيش، وخلاس ابن عمرو، وعمرو ابن ميمون الأودي، وهمام بن الحارث، والحارث بن سويد، ويزيد بن معاوية النخعي، والربيع ابن خيثم، وعتبة بن فرقد، وصلة بن زفر، وشريك بن حنبل، وأبو وائل شقيق ابن سلمة، وعبيد بن نضلة وهؤلاء أصحاب علي وابن مسعود (رضي الله عنهم)” (21).
وأما البصرة فقد أصبحت أحد منارات العلم التي يقصدها طلاب العلم ويرتحلون إليها بعد أن رحل إليها أبو موسي الأشعري (رضي الله عنه) وأنس بن مالك (رضي الله عنه) ومن أشهر من تخرج من مدرسة البصرة الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأيوب السختياني، وبهز بن حكيم القشيري، ويونس ابن عبيد، وخالد بن مهران الحذاء، وعبد الله بن عون، وعاصم بن سليمان الأحول، وقتادة ابن دعامة السدوسي، وهشام بن حسان وغيرهم (22). وأما الشام التي بعث إليها خليفة رسول الله ﷺ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فئة من علماء الصحابة الأجلاء وهم معاذ بن جبل، وعبادة ابن الصامت، وأبو الدرداء (رضي الله عنهم) وقد تفرقوا في أقاليمها وكانوا بذلك قد أسسوا أحد مراكز العلم والدعوة والإيمان فتخرج على أيديهم نخبة كثيرة من كبار علماء الشام من التابعين منهم سالم ابن عبد الله المحاربي قاضي دمشق، وأبو إدريس الخولاني (عائذ بن عبد الله) الذي تولى القضاء بدمشق لمعاوية وابنه يزيد، ومنهم أبو سليمان الداراني، .. ويزيد وهشام ابنا عبد الملك .. ومنهم عُمير بن هانئ العنسي الداراني المُحَدِّثُ (23).
وأما اليمن فمن ” أشهر علمائها من الصحابة (رضي الله عنهم) الذين ساهموا في دخول الإسلام فيها معاذ بن جبل، علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري (رضي الله عنهم) وغيرهم… ومن أشهر علماء التابعين في المدرسة اليمنية طاوس بن كيسان … ووهب بن منبه” (24).
وأما إفريقية فكانت محط رحال كثير من العلماء والمفقهين وكان ” عمر بن عبد العزيز(رضي الله عنه) أرسل عشرة من التابعين، يفقهون أهل إفريقية، منهم: موهب بن حي المعافري، وأقام بإفريقية حتى مات بها، وحبان بن أبي جبلة، وإسماعيل بن عبيد الله الأعور القرشي، مولاهم، وكان رجلا صالحا استعمله عمر بن عبد العزيز، ليفقههم أيضا، وإسماعيل بن عبيد، مولى الأنصار، وهو صاحب ســــــــوق مسجد الأحباش … وطلــــق بن حابــــــان، وبكر بــــــن سوادة الجذامي، وعبد الرحمن بن رافع التنوخي” (25). “وقـــد أصبحـــت القيروان مركــــز الإشعـــاع الحضـــاري الإسلامـــي بالمغــــرب وعاصمتهـــا العلمية” (26).
[1] ـــــ سورة فصلت، الآية: 33.
[2] ـــــ وقد صنف العلماء كثيراً من المؤلفات التي تحوي ما يجب على المعلمين والمتعلمين من آداب يجب مراعاتها والتحلي بها ومن هؤلاء العلماء عبد الله بن المقفع في أوائل القرن الثاني للهجرة في كتابه الأدب الصغير والأدب الكبير، وابن سحنون عالم القرن الثالث الهجري في رسالته آداب المعلمين والمتعلمين، والقابسي عالم القرن الرابع الهجري في رسالته المفصلة عن آداب المعلمين والمتعلمين، والإمام أبو الحسن الماوردي عالم القرن الخامس الهجري في أدب الدنيا والدين، والإمام أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي عالم القرن الثامن الهجري في كتابه قناطر الخيرات وغيرهم، انظر : التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية، محمد منير مرسي، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الأولى1984، ص 246.
[3] ـــــ سورة التوبة، الآية: 33 .
[4] ـــــ حقوق الإنسان في الإسلام، عبدالله التركي، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى، 1419هـ، ص 6.
[5] ـــــ سورة آل عمرن ، الآية: 110 ، وانظر : تدريب الدعاة على الأساليب البيانية، عبد الرب آل نواب، الجامعة الاسلامية، المدينة المنورة، العدد 128، 1425هـ ،ص327.
[6] ـــــ انظر: وقفات مع أحاديث تربية النبي ﷺ لصحابته (رضي الله عنهم)، عبد الرحمن بن عبد الكريم الزيد، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: السنة السادسة والثلاثون العدد (112) 1424هـ، ص103.
[7] ـــــ انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي، 5/6 ـــــــ 13.
[8] ـــــ انظر : المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، 10/269.
[9] ـــــ انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي، 4/54 ــــــــ 55.
[10] ـــــ انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 2/346
[11] ـــــ انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر، 21/423 .
[12] ـــــ انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 4/600 .
[13] – الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، علي محمد الصلابي، 2/250 .
[14] – انظر: (عمارة المساجد بالعبادة) ص 183 وكذلك إلى (تأسيس المراكز العلمية) ص 186.
[15] – سير أعلام النبلاء للذهبي، 5/18.
[16] – النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي، دار الكتب المصرية، مصر، الطبعة الأولى، 1348ه، 1/271.
[17] – غاية النهاية في طبقات القراء للجزري، حققه: ج . برجستر اسر، دار الكتب العلمية، بيروت ، الطبعة الأولى، 2006م، 1/381.
[18] – المرجع السابق، 1/515.
[19] – المرجع السابق، 1/604.
[20] – المرجع السابق، ٢ / ٣٨١.
[21] – إعلام الموقعين لابن القيم، ص 25 .
[22] – انظر: معرفة علوم الحديث، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق السيد معظم حسين دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1397هـ، ص323 .
[23] – انظر: السنة قبل التدوين، محمد عجاج الخطيب، ص 169.
[24] – الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، علي محمد الصلابي، 2/259 .
[25] – طبقـــات علمــــاء إفريقية، لأبي العرب محمد المغربي الإفريقي، دار الكتاب، بيروت، د ط، ص 12.
[26] – الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، علي محمد الصلابي، 1/11 .