أول سفراء النبي صلى الله عليه وسلم لدار الهجرة
رسالة الإسلام الخالدة لم يقتصر تأثيرها على البشر دون غيرهم بل إنها عمت كل ما على الأرض بما في ذلك رحلة السِّفارة فقد أصبح للسفير دور مهماً لا يقتصر على مسؤولية نقل التعليمات وإبلاغها بل تعدى ذلك ليصبح الممثل لجميع المسلمين والمتكلم بلسانهم وله حقوق كثيرة، وبهذا أضاف الإسلام للسفارة والسفير رؤيةً جديدةً لم يكن للعالم على علم بها.
هجرة النبي ﷺ إلى المدينة المنورة تعد مرحلة مهمة من المراحل التي ستشهد الكثير من التحولات التي ستتغير معها أمور كثيرة، فمن هذا الصحابي الجليل الذي سيتشرف بأن يكون الممهد لهذه الهجرة المباركة، من هذا الصحابي الجليل الذي سيتبوأ هذه المكانة الغالية الرفيعة.
إنه مصعب ابن عمير (رضي الله عنه) مصعب وما أدراك من مصعب، إنه الفتى الغني المترف الذي كان يلبس الحرير وشراك نعليه من الذهب لقد كان من أترف غلمان مكة إلا أنه ترك ذلك كله وضحى به في سبيل الله ورسوله ﷺ حتى أن النبي ﷺ قال فيه عندما رآه وهو مقبل، وعليه إهابُ كبش قد تَنَطَّقَ به، فقال ﷺ (انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نوَّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون) (1).
رحل مصعب بن عمير (رضي الله عنه) داعياً لأهل المدنية فجعلها الله منزلاً، ومنطلقاً لرسالة سيد ولد آدم ﷺ “اختار رسول الله ﷺ مصعب بن عمير (رضي الله عنه) ممثلاً له في المدينة، ومعلماً للأنصار، وداعية في البلد الإسلامي الأول” (2).
بعث النبي ﷺ مصعب بن عمير (رضي الله عنه) مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى ليفقه أهلها ويقرئهم القرآن قال ابن إسحاق : “بعث رسول الله ﷺ مصعب بن عمير (رضي الله عنه) مع النفر الإثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى ليفقه أهلها ويقرئهم القرآن، فكان منزله على أسعد بن زرارة (رضي الله عنه)، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ، ويقال : إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة، وأسلم على يديه أسيد بن حضير وسعد بن معاذ y، وهما سيدا قومهما وكفى بذلك فخراً وأثراً في الإسلام” (3).
” هذه الاستجابة العظيمة بفضل اللّه ثم بفضل مصعب بن عمير (رضي الله عنه)، فقد ضُرِبَ به المثل في حكمته وحُسن دعوته وصبره وحلمه ورفقه وأناته عند سماع التهديد من قبل أسيد وسعد y فأثر هذا الموقف الحكيم عليهما وأسلما، وأسلم ـــــ بفضل اللّه ـــــ ثم بإسلامهما هذا الجمع الغفير في يوم واحــد، فرضي اللّه عن مصعب، ورضي عن صاحبه أسعد ، فقد أنقذ الله بهما مدينة كاملة، وللّه الحمد والمنة” (4).
وقد كان (رضي الله عنه) من خيرة رسل رسول الله ﷺ حيث تمكن من إنجاز المهمة العظيمة التي مهدت لما هو أعظم.
“لقد نجحت سفارة مصعب بن عمير (رضي الله عنه) في شرح تعاليم الدين الجديد، وتعليم القرآن الكريم وتفسيره، وتقوية الروابط الأخوية بين أفراد القبائل المؤمنة من ناحية، وبين النبي ﷺ وصحبة بمكة المكرمة؛ لإيجاد القاعدة الأمينة لانطلاق الدعوة” (5).
لقد أظهر مصعب بن عمير (رضي الله عنه) في رحلته الدعوية هذه “إلى يثرب ليقوم بمهمة الدعوة والتعليم … عناية عظيمة بذوي المكانة من الأشراف والسادة في المجتمع المدني، فقد استفاد من أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) وهو من ذوي المكانة في قومه حيث نزل ضيفًا عليه، وأخذ يصطحبه في جولاته الدعوية ليقوم بمهمة تعريفه بذوي المكانة والشرف” (6).
[1] ـــــ أخرجه الطبراني والبيهقي.
[2] ـــــ مصعب بن عمير الداعية المجاهد، محمد حسن برنغيش، دار القلم ، دمشق، الطبعة السادسة، 1420هـ، ص 163.
[3] ـــــ أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين بن الأثير، تحقيق على محمد معوض ، وأحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ ، 5/175.
[4] ـــــ الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، سعيد القحطاني، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية، الطبعة الأولى، 1423هـ ، ص319.
[5] ـــــ السيرة النبوية للصلابي، 1/403.
[6] ـــــ التدرج في دعوة النبي ﷺ، إبراهيم المطلق، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية، الطبعة الأولى، 1417هـ، ص113، انظر: سيرة ابن هشام، 2/59 .